ما يتصف به الدين من تواضع، فلقب نفسه في أولى رسائله الباقية لدينا اليوم "خادم خدمة الله" servus servorum Dei، وقد ارتضى أعظم البابوات لأنفسهم هذا اللقب النبيل.
وامتازت إدارته لشئون الكنيسة بالاقتصاد الحكيم، والإصلاح الصارم الشديد، وقد بذل جهوداً جبارة في قمع التسري والمتاجرة بالرتب الكهنوتية بين رجال الدين، وأعاد النظام إلى الأديرة اللاتينية، ونظم علاقتها بالبابا وبرجال الدين من غير الرهبان. وأصلح قانون القداس ولعله كانت له يد في نشأة النشيد "الجريجوري"، وقمع ما كان قائماً في ضياع البابا من استغلال وقدم القروض من غير فائدة للزراع المستأجرين، ولكنه لم يتوان عن جمع إيراد أملاك الكنيسة بالحزم والسرعة، وعرض بدهائه على اليهود الذين يعتنقون المسيحية أن يخفض لهم إيجار أملاك الكنيسة، وقبل للكنيسة الأراضي التي كان يهبها لها الأشراف الذي أقضت مضاجعهم مواعظه عن اقتراب نهاية العالم (١٤).
وكان في هذه المشاغل كلها يقابل أعظم حكام زمانه ويناقشهم في الشئون السياسية، يغلبهم في معظم الأحيان ويغلبونه في بعضها، ولكنه ترك في آخر الأمر سلطان الكنيسة وهيبة البابوية و "ميراث بطرس"(أي الولايات البابوية في إيطاليا الوسطى) ترك هذه كلها أعظم وأوسع رقعة مما كانت قبله. وقد اعترف من الوجهة الرسمية بسيادة إمبراطور الروم، ولكنه كان يتجاهل هذه السيادة من الوجهة العلمية؛ مثال ذلك أنه لما أن هدد دوق اسبليتو مدينة روما-وكان في حب مع نائب الإمبراطور في رافنا-عقد جريجوري صلحاً مع الدوق أن يستشير في ذلك نائب الإمبراطور أو الإمبراطور نفسه، ولما أن حاصر اللمبارد مدينة روما اشترك جريجوري في تنظيم الدفاع عنها.
غير أنه كان يأسف لكل دقيقة يقضيها في الشئون الدنيوية، ويعتذر لجماعات المصلين لعجزه عن أن يلقي عليهم عظات تريح بالهم بين المتاعب الدنيوية التي