في كثير من الأحيان وبوحشية في بعضها (٧١). وقد يستمع إلى الصلاة في الصباح؛ ويسطو على كل كنيسة في آخر النهار، ويشرب حتى يفقد وعيه في المساء. وهذا ما وصف به جلداس Gildas الفرسان البريطانيين الذين كان يعيش بينهم في القرن السادس، وهو القرن الذي يرى بعض الشعراء أن آرثر Arthur " والطبقة العظيمة من فرسان المائدة المستديرة" كانوا يعيشون في خلاله (٧٢). وكان الفارس يتحدث عن الولاء والعدالة ولكنه يملأ صفحات فرواسار Froissart بالغدر والعنف. وبينما كان الشعراء الألمان يتغنون بالفروسية، تراهم لا ينقطعون عن الكلمات، وإحراق الدور، وقطع الطريق على المسافرين البريئين (٧٣). ولقد دهش المسلمون من فظاظة الصليبيين وقسوتهم، وحتى بوهمند Bohemund العظيم نفسه، لما أراد أن يظهر احتقاره لإمبراطور الروم، بعث له ببضاعة من الأنوف والإبهامات المقطعة (٧٤). لقد كان هؤلاء شواذ ولكنهم كانوا كثيرين. ولسنا ننكر أن من السخف أن ننتظر من الجنود أن يكونوا قديسين، ذلك أن إجادة القتيل تتطلب فضائلها الفذة، وهؤلاء الفرسان الغلاظ هم الذين طردوا الصقالبة من ضفاف نهر الأودر، والمجر من إيطاليا وألمانيا، وهم الذين رضوا أهل الشمال فكانوا هم النورمان وجاءوا بالحضارة الفرنسية إلى إنجلترا على شفار السيوف، فكانوا ما لا بد أن يكونوا.
وكان ثمة عاملان هما اللذان خففا من همجية الفروسية، ونعني بهما النساء والمسيحية، فأما المسيحية فقد أفلحت إلى حد ما في تحويل تيار الخصام في الفروسية إلى الحروب الصليبية، ولعلها استمدت العون في هذا التحويل من عبادة مريم العذراء أم المسيح، فقد رفعت هذه العبادة منزلة الفضائل النسائية فخفضت بذلك من حدة تحمس الرجال الأشداء الميالين إلى العنف. ولكن لعل النساء اللائي يعشن على ظهر الأرض، واللائي لهن تأثير كبير في الحواس وفي الأرواح، قد كان لهن أثر كبير من أثر مريم العذراء في تحويل الفارس المحارب إلى سيد كريم