حدودها متفقة مع حدود منازل الأسباط الاثني عشر، وكان يرجو من وراء هذا أن يضعف النزعة الانفصالية بينهم، وأن يؤلف منهم شعباً واحداً. ولكنه أفلس في هذا وأفلست بلاد اليهود معه. ومن الوسائل التي استخدمها لتمويل حكومته أعداد البعثات لاستخراج المعادن الثمينة، ولاستيراد مواد الترف والسلع القيمة النادرة، ومن بينها "العاج والقردة والطواويس"(٤٠) - وهذه كان يمكن بيعها للأثرياء المحدَثين بأثمان غالية. وكان يفرض الإتاوات على جميع القوافل المارة بفلسطين. وقد فرض جزية الرؤوس على جميع رعاياه، وطالب كل قسم من أقسام دولته ما عدا قسمه الخاص بقدر من المال، أعاد للدولة احتكارها القديم لتجارة الخيوط والخيل والمركبات (٤١). ويؤكد لنا يوسفوس أن سليمان جعل الفضة في أورشليم كحجارة الشوارع في كثرتها (٤٢)، واعتزم أخيراً أن يزين المدينة بمعبد جديد ليهوه، وبقصر جديد له هو نفسه.
وفي وسعنا أن نستشف ما كان في الحياة اليهودية من اضطراب حين نذكر أن بلاد اليهود كلها حتى أورشليم نفسها لم يكن فيها قبل أيام سليمان هيكل كبير واحد على ما يظهر. وكان الأهلون يقربون القرابين ليهوه في هياكل محلية أو في هياكل ساذجة فوق التلال (٤٣). ثم جمع سليمان ذوي الثراء من أهل المدن وأعلن إليهم عزمه على تشييد هيكل وخصه بكميات كبيرة من الذهب والفضة والشبَّة والحديد والخشب والحجارة الكريمة من مخازنه الخاصة، وأوحى إلى الناس في رفق أن الهيكل يرحب بتبرعات المواطنين. وإذا جاز لنا أن نصدق أقوال ناقل الرواية فإنهم تبرعوا له بخمسة آلاف وزنة من الذهب، وبضعفيها من الفضة، وبكل ما يحتاج إليه من الحديد والشبَّة. ومن وجد عنده حجارة أعطاها لخزينة بيت الرب" (٤٤). واختبر لتشييده مكان فوق ربوة، وقامت جدران الهيكل كأنها امتداد للمنحدرات الصخرية (١). وكان طرازه هو الطراز
(١) ليس ببعيد أن يكون مكان الهيكل هو المكان الذي يشغله الآن الحرم الشريف في المسجد الأقصى، ولكن سائر أجزاء الهيكل لم يبق منها شيء على الإطلاق.