كمدارس إيتن Eton؛ وهرو Harrow، وونشستر Winchester بين مثل الفروسية الأعلى والتربية "الحرة" في جهودها الموفقة في تاريخ التربية لتثقيف العمل، وتقوية الإرادة، وتقويم الأخلاق. وإذ كان الفارس يتعلم الآداب، والشهامة والمروءة، في حاشية النبيل أو المليك، فقد كان ينقل بعض هذه الصفات إلى من هم دونه من أفراد الطبقات الاجتماعية الأخرى؛ وليست المجاملات والرقة في الوقت الحاضر إلا مزيجاً مخففاً من فروسية العصور الوسطى المركزة. ولقد ازدهر الأدب الأوربي من أغنية رولان إلى دن كيشوت، لأنه أخذ يصف أخلاق الفرسان وموضوع الفروسية، وكان الكشف الثاني لنظام الفروسية من العناصر الفعّالة في الحركة الأدبية الإبداعية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ومهما يكن في آداب الفروسية الخلقية من إسراف وسخافات، ومهما كان الفرق كبيراً بين حقيقتها العلمية ومثلها العليا، فإنها بلا ريب من أعظم ما ابتدعته الروح البشرية من نظم؛ وإنها فن من فنون الحياة وأبهى وأفخم من كل فن سواه.
وهكذا نرى أن الصورة التي رسمناها للإقطاع لم تقتصر على أن تكون صورة للاسترقاق في الأرض، وللأمية، وللاستغلال، والعنف، بل كانت تجمع بين هذا كله وبين قدر يعدله من الفلاحين الأقوياء، يقطعون أشجار الغابات، ومن رجال متباهين أشداء في لغتهم، وحبهم، وحروبهم، وفرسان يقسمون بأن يكونوا شرفاء، خادمين لمن يحتاجون إلى خدمتهم، يجدون في طلب المغامرات وأسباب الشهرة كما يجد غيرهم في طلب الراحة والأمن، يحتقرون الخطر والموت والجحيم؛ ونساء صابرات كادحات، يلدن ويربين الأبناء في قرى الفلاحين، وسيدات من ذوات الحسب والنسب الرفيع يمزجن دعواتهن الرقيقة لمريم العذراء بالحرية الجريئة في التغني بالشعر الشهواني والحب العذري-ولعل الفروسية كانت أقوى أثراً من المسيحية في رفع منزلة المرأة. ولقد كان أهم ما اضطلع به الإقطاع من أعمال هو إعادة النظام السياسي والاقتصادي إلى أوربا