إنوسنت الثالث أخذ يشكو من أن شهوات اللاتين المكبوتة لم ينج منها الكبار أو الصغار، ولا الذكور أو الإناث، ولا أهل الدنيا أو الدين؛ فقد أرغمت الراهبات اليونانيات على احتضان الفلاحين أو السائسين البنادقة والفرنسيين (٥٤). وبددت في أثناء هذا السلب والنهب محتويات دور الكتب وأتلفت المخطوطات الثمينة أو فقدت، واندلعت ألسنة النيران بعدئذ مرتين في المدينة فالتهمت دور الكتب والمتاحف كما التهمت الكنائس والمنازل، فضاعت مسرحيات سفكليز ويوربديز التي ظلت حتى ذلك الوقت باقية بأكملها ولم ينج منها إلا القليل، وسرقت آلاف من روائع الفن أو شوهت أو أتلفت.
ولما خفت حدة الاضطراب والنهب اختار أعيان اللاتين بلدوين أمير فلاندرز ملكاً لمملكة القسطنطينية اللاتينية (١٠٢٤)، وجعلوا الفرنسية لغتها الرسمية. وقسمت الإمبراطورية البيزنطية إلى أملاك إقطاعية يحكم كلاً منها أمير نبيل إقطاعي. وكانت البندقية حريصة على السيطرة على طرق التجارة فاستولت على هدريانويل، وإبيروس، وأكارنانيا Acarnania، والجزائر الأيونية، وجزء من البلوبونيز، وجزيرة عوبية، وجزائر الأرخبيل، وغاليبولي، وثلاثة أثمان القسطنطينية. وانتزعت من أهل جنوى "المصانع" البيزنطية، والمعاقل الخارجية، واختار دنوولو لنفسه، وكان وقتئذ يترنح في ثيابه الإمبراطورية، لقب "دوج البندقية، وسيد ربع الإمبراطورية الرومانية وثمنها"(٨٥). ولم يطل عمره بعد هذا فقد مات في زهو هذا النصر الذي ناله بفعال أثيمة لم يؤنبه عليها ضميره. واستبدل برجال الدين اليونان غيرهم من اللاتين، رسم الكثيرون منهم قساوسة لهذه المناسبة دون أن يكون لهم تاريخ سابق في شئون الدين، ووافق إنوسنت الثالث على الاتحاد الرسمي بين الكنيستين اليونانية واللاتينية عن رضا