للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصليبيون أن يتقاضوا بالإضافة إلى ذلك كله غرامة حربية، ولكن الكامل رفض هذا الطلب، وبدأت الحرب من جديد، ولكنها لم تجر كما يشتهي الصليبيون، فلم يأتهم ما كانوا ينتظرون من المدد؛ ثم عقدت هدنة تدوم ثماني سنين رد إلى الصليبيين بمقتضاها الصليب الحق، ولكن دمياط أعيدت إلى المسلمين، وجلا جميع الجنود المسيحيين عن أرض مصر.

وعزا الصليبيون هذه المأساة إلى فردريك الثاني إمبراطور ألمانيا وإيطاليا الشاب؛ ذلك أنه أقسم يمين الصليبيين في عام ١٢١٥، ووعد أن ينضم إلى الجيوش المحاصرة لدمياط، ولكن المشاكل السياسية القائمة وقتئذ في إيطاليا، مضافاًُ إليها في أغلب الظن ضعف إيمانه، لم يمكناه من أن يبر بقسمه ووعده. فلما كان عام ١٢٢٨ زحف فردريك، وهو لا يزال مطروداً من حظيرة الدين، على رأس الحملة الصليبية السادسة، ولما وصل إلى فلسطين لم يلق أية معونة ممن فيها من المسيحيين الصالحين، فقد أعرض هؤلاء عن رجل مطرود من الكنيسة المسيحية. فلما رأى الإمبراطور ما فعلوا أرسل رسله إلى الملك الكامل، وكان يقود جيش المسلمين في نابلس، ورد عليه الكامل رداً جميلاً، وأعجب فخر الدين سفير السلطان بما رآه من معرفة الإمبراطور بلغة العرب، وآدابهم، وعلومهم، وفلسفتهم، وشرع الحاكمان يتبادلان المجاملات والآراء، ولشد ما دهش المسيحيون والمسلمون على السواء حين وقعا في عام ١٢٢٩ معاهدة أعطى الكامل بمقتضاها فردريك مدن عكا، ويافا، وصيدا، والناصرة، وبيت لحم، وجميع مدينة بيت المقدس ما عدا الفضاء المحيط بقبة الصخرة المقدسة عند المسلمين. وأجيز فوق ذلك للحجاج المسيحيين أن يأتوا إلى هذا الفضاء ليؤدوا فيه صلواتهم في موضع هيكل سليمان، وسمح للمسلمين بمثل هذه الحقوق في بيت لحم. ونصت المعاهدة فوق ذلك على إطلاق جميع الأسرى من الطرفين المتعاقدين، وتعهد كلاهما أن يحافظ على السلم عشر سنين وعشرة شهور (٥٧). وهكذا افلح الإمبراطور الطريد فيما عجز