قليل من وصولها، ولكن فيضان النيل السنوي الذي لم يحسب الصليبيون حسابه حين وضعوا خطة الحملة بدأ في وقت وصول الصليبيين، وغمر البلاد بالماء فأحاط بالصليبيين وحصرهم في دمياط مدة نصف عام. على أنهم لم يندموا لما أصابهم لأن "الأشراف" كما يقول جوانفيل "أخذوا يولمون الولائم .. كما أخذ العامة يصاحبون النساء الفاجرات"(٥٨). ولما وصل الجيش زحفه، كان الجوع والمرض، والفرار، قد أنهكت قوته وأنقصت عدده، وأضعفه اختلال نظامه، فهي بهزيمة ساحقة عند المنصورة رغم استبساله في الدفاع عن نفسه، وتبدد شمله وولى الجنود الأدبار، وأسر عشرة آلاف من المسيحيين من بينهم لويس نفسه، وقد خارت قواه من وطأة الزحار (١٢٥٠). وعالجه من مرضه طبيب عربي، ثم أطلق سراحه بعد أن قضى في الأسر شهراً بشرط أن يسلم دمياط ويفتدي نفسه بخمسمائة ألف جنيه فرنسي (٣. ٨٠٠. ٠٠٠ ريال أمريكي). ولما أن قبل لويس هذه الفدية الباهظة أنقص منها السلطان خمسها، وقبل نصف الباقي ووثق بعهد قطعه الملك على نفسه أن يؤدي إليه النصف الآخر (٥٩). وسار الملك على رأس فلول جيشه إلى عكا، وأقام فيها أربع سنين، يدعو فيها أوربا في غير طائل إلى أن تكف عن الحروب فيما بينها وأن تنضم إليه في حرب جديدة. وبعث في هذه الأثناء وليم الربركوازي Wlliam of Rubruquois إلى خان المغول يعرض عليه للمرة الثانية دعوة إنوسنت- ولكنه لم يلق منه غير ما لقي في الدعوة الأولى: ثم عاد في عام ١٢٥٤ إلى فرنسا.
وكانت السنون التي قضاها في الشرق قد هدأت ما كان بين المسيحيين فيه من شقاق، فلما غادره عاد هذا الشقاق سيرته الأولى؛ فقامت بين أهل البندقية وجنوى بين عامي ١٢٥٦ و ١٢٦٠ حرب داخلية في ثغور الشام، انضمت فيها