الصليبية أضحت ثروتها هدفاً واضحاً لحسد الملوك، وغضب الشعب وتأنيب النقاد. ومن الناس من كان يعزو الكوارث التي أصابت لويس التاسع في عام ١٢٥٠ إلى الحرب التي شنها في الوقت نفسه إنوسنت الرابع على فردريك الثاني. وقام المتشككون الجريئون يقولون إن إخفاق الحروب الصليبية يدحض ما يدعيه البابا من أنه نائب عن الله أو ممثله في أرضه. ولما أن قام الرهبان بعد عام ١٢٥٠ يسألون الناس المال لإعداد حروب صليبية أخرى، استدعى بعض من كانوا يستمعون خطبهم بعض المتسولين وتصدقوا عليهم باسم محمد من قبيل السخرية بالرهبان أو الحقد عليهم، لأن محمداً في رأيهم قد أظهر أنه أعظم قوة من المسيح (٦٧).
وكان أثر الحروب الصليبية الذي يلي في أهميته إضعاف العقيدة الدينية المسيحية هو بث روح النشاط في الحياة المدنية الأوربية لمعرفة الأوربيين بأساليب المسلمين التجارية والصناعية. ذلك أن الحرب تسدى إلى الناس خيراً واحداً وهو أنها تعلمهم علم تقويم البلدان. فقد عرف التجار الإيطاليون الذين أثروا بفضل الحروب الصليبية كيف يرسمون خرائط للبحر المتوسط، وتلقى المؤرخون الإخباريون الرهبان الذين رافقوا الفرسان آراء جديدة عن اتساع بلاد آسيا واختلاف أصقاعها ونقلوا هذه الآراء إلى غيرهم من الناس، وبهذا تحركت في القلوب الرغبة في الكشف والارتياد، وظهرت كتب في وصف الأقاليم والبلدان ترشد الحجاج إلى البلاد المقدسة والى داخل البلاد المقدسة؛ وأخذ الأطباء المسيحيون العلم عن الأطباء اليهود والمسلمين، وتقدم علم الجراحة بفضل الحروب الصليبية.
وسارت التجارة وراء الصليب، أو لعل التجارة هي التي قادت الصليب. لقد خسر الفرسان فلسطين، ولكن الأساطيل التجارية الإيطالية لم تنتزع السيطرة على البحر المتوسط من أيدي المسلمين وحدهم بل انتزعها كذلك من أيدي البيزنطيين. نعم إن مدائن البندقية، وجنوى، وبيزا، وأملفي،