للاتصال بعالم البحر المتوسط. وكانت ثغور قادس، وبوردو، ولاروشل، ونانت ترسل سفنها لتسير بازاء ساحل المحيط الأطلنطي إلى رون، ولندن، وبروج؛ كما كانت جنوى في القرن الثالث عشر، والبندقية في عام ١٣١٧ ترسلان سفنهما إلى هذه الثغور الأطلنطية كلها مخترقة مضيق جبل طارق؛ وقبل أن يحل عام ١٣٠٠ كانت التجارة التي تعبر جبال الألب قد نقصت، وأخذت تجارة المحيط الأطلنطي تسمو بأمم هذا المحيط إلى تلك الزعامة التي ضمنها لها كولمبس فيما بعد.
وأثرت فرنسا من أنهارها وهي الحبال السائلة التي تربط بها التجارة الأقاليم الواقعة على شطآنها وتوحدها. وبفضل هذه الأنهار- الرون، والجارونن واللوار، والساؤون، والسين، والواز Oise، والموزل ازدهرت تجارتها وأخصبت حقولها، ولم يكن في وسع بريطانيا وقتئذ أن تنافسها، ولكن الثغور الخمسة الواقعة على القناة الإنجليزية كانت ترحب بالسفن والبضائع الأجنبية. وكان نهر التاميز عند لندن محاطاً منذ ذلك العهد البعيد بأحواض السفن المتجاورة الممتدة على شاطئيه، وكانت تصدر منها المنسوجات، والصوف، والقصدير لتستورد بأثمانها التوابل من بلاد العرب، والحرير من الصين، والفراء من الروسيا، والخمور من فرنسا. وكان أنشط من هذه كلها وأنشط من أي ثغر في أوربا الشمالية مدينة بروج العاصمة التجارية والمنفذ الخارجي لبلاد فلاندرز بغلاتها الزراعية والصناعية. وعند هذه المدينة كان يتقاطع محوراً التجارة الأوربية المحور الشرقي الغربي والمحور الشمالي الجنوبي، كما كانا يتقاطعان عند البندقية وجنوى. وكان موقعها القريب من شاطئ بحر الشمال والمقابل لإنجلترا، مما يسرها استيراد الصوف الإنجليزي لينسج على الأنوال الفلمنكية والفرنسية. وكانت إلى هذا بعيدة في الداخل بعداً يجعل ثغرها مأوى أميناً للسفن. ولهذا اجتذبت إليها أساطيل جنوى والبندقية وفرنسا القريبة. وسمحت لهذه المدن بان توزع بضائعها بمائة طريق وطريق على الثغور