للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شأن الرجال؛ مثال ذلك أن نبأ موت بربروسه في قليقية لم يصل إلى ألمانيا إلا بعد أربعة أشهر (١٦). ولهذا كان في وسع الرجل في العصور الوسطى أن يتناول فطوره من غير أن تزعجه مصائب العالم التي يجد الناس في جمعها؛ وكان من حسن حظه أن ما يصله من أخبار هذه المصائب قد بلغ من قدم العهد حداً لا يستطاع معه علاجه.

وخطا الناس بعض خطوات في تسخير القوى الطبيعية واستخداماتها لمنفعتهم. وشاهد ذلك أن "كتاب يوم الحشر" يسجل وجود خمسة آلاف طاحونة مائية في إنجلترا في عام ١٠٨٦، وثمة رسم باق من عام ١١٦٩ يصور عجلة مائية يضاعف دوراتها البطيئة ويزيد سرعتها عدد من التروس المتعاقبة المدرجة في الصغر (١٧). وبفضل هذا الازدياد في السرعة أضحت العجلة المائية أداة رئيسية من أدوات الصناعة؛ وأخذت تنتشر في بلاد أوربا المختلفة، فظهرت في ألمانيا عام ١٢٤٥ آلة مائية لنشر الخشب تدار بالماء (١٨)؛ وكانت آلة أخرى في دويه Douoi (١٣١٣) تستخدم لصنع الآلات الحادة؛ وانتشرت الطواحين الهوائية، التي عرفت لأول مرة في أوربا الغربية عام ١١٠٥، انتشاراً سريعاً بعد أن شاهد المسيحيون سعة انتشارها في بلاد الإسلام (١٩)، فقد كان في أيبر Ypres وحدها مائة وعشرون من هذه الطواحين في القرن الثالث عشر.

وكان تحسن أدوات العمل وازدياد حاجات الناس عاملاً هاماً في تشجيع أعمال التعدين التي نهضت وقتئذ نهضة فجائية عظيمة. من ذلك أن حاجة التجارة إلى عملة ذهبية موثوق بها، وقدرة الناس المتزايدة على إشباع شهوتهم في لبس الحلي قد أديا إلى تجدد العمل في استخراج التبر بغسل طين الأنهار، ومن العروق المعدنية في إيطاليا، وفرنسا، وإنجلترا، والمجر، ومن ألمانيا بنوع خاص. وكشف حوالي عام ١١٧٥ عروق غنية للنحاس الأحمر، والفضة، والذهب في إرز جبيرج Erz Gebirge (أي جبال المعدن)؛ وعلى أثر هذا الكشف هرع الناس