ذو إرادة لا تقل مضاء عن إرادته ودين أعظم قوة من أية دولة قائمة في ذلك الوقت.
ولد تومس في لندن عام ١١١٨ من أبوين نورمانيين من أبناء الطبقة الوسطى. واسترعى الغلام انتباه ثيوبولد Theobald كبير أساقفة كنتربري بذكائه الناضج قبل الأوان، فأرسله إلى بولونيا Bologna وأكسير Auxerre ليدرس الشرائع المدنية والكنسية. ولما عاد إلى إنجلترا انتظم في سلك رجال الدين، وما لبث أن ارتقى في المناصب الدينية حتى صار كبير شمامسة كنتربري. ولكنه كان مثل كثيرين غيره من رجال الدين في تلك القرون الماضية، رجل عمل أكثر مما كان رجل دين؛ فكانت الشئون الإدارية والدبلوماسية أكثر ما تظهر فيها مهارته؛ وأظهر في هذين الميدانين مقدرة فائقة رفعته إلى مقام الوزارة ولم يتجاوز السابعة والثلاثين من عمره. وساد الوئام بينه وبين هنري إلى حين، فكان المستشار الوسيم موضع ثقة الملك في أخص شئونه، يشاركه ألعاب الفروسية، ويكاد يشاركه في ثروته وسلطانه. وكانت مائدته أفخم الموائد في إنجلترا كلها، وكانت صدقاته للفقراء تضارع كرم ضيافته لأصدقائه. وكان في الحرب يقود بنفسه سبعمائة من الفرسان، ويبارز الأعداء فرداً لفرد، ويضع الخطط الحربية؛ ولما أرسل في بعثة إلى باريس ارتاع الفرنسيون حين رأوا حاشيته الفخمة المؤلفة من ثمان مركبات، وأربعين جواداً، ومائتين من الأتباع؛ وقالوا في أنفسهم ترى ماذا يكون الملك الذي له مثل هذا الوزير!
وعين كبيراً لأساقفة كنتربري في عام ١١٦٢، فلم يكد يتولى منصبه حتى تبدلت أساليبه تبدلاً فجائياً كاملاً كأنما حدث ذلك بسحر ساحر، فتخلى عن قصره الفخم، وثيابه الملكية، وأصدقائه من الأشراف، وبعث إلى الملك باستقالته من الوزارة وارتدى الثياب الخشنة، فلبس شعاراً من الصوف، وعاش على الخضر، والحبوب، والماء، وكان كل ليلة يغسل قدمي ثلاثة عشر