المنتصر قد تجاوز وقتئذ السادسة والأربعين من عمره. وكان الشعب الفرنسي يعجب بشجاعته وصلابة رأيه. وأيده في صراعه مع بنيفاس، ولكنه يصب اللعنات على ذكراه ويراه أشد الملوك استبداداً في تاريخه كله. وكادت انتصاراته تحطم كيان فرنسا. وقد كان تخفيضه قيمة النقد سبباً في اضطراب الاقتصاد القومي. وكانت الأجور العالية للأراضي الزراعية والأثمان المرتفعة سبباً في فقر الشعب، وأضرت الضرائب الفادحة بالصناعة، كما كان نفي اليهود واللمبارد سبباً في شل حركة التجارة وفي خراب الأسواق وتعطيل المواسم التجارية. وجملة القول أن الرخاء الذي ازداد في عهد القديس لويس قد نقص واضمحل في عهد فليب الذي يتقن جميع ما في القانون والسياسة من ألاعيب (٨٣).
وجلس على العرش ثلاثة أبناء لفليب وواراهم الثرى في خلال الأربعة عشر عاماً التي أعقبت وفاته، ولم ينجب واحد منهم أبناء يرثون ملكه، بل ترك شارل الرابع (المتوفى عام ١٣٢٨) بنات، اتخذ القانون السالي القديم ذريعة لحرمانهم من التاج. وكان أقرب وريث من الذكور للأسرة المالكة هو فليب الفالوازي Philip of Valois ابن أخي فليب الجميل، فلما تولى الملك انتهت بموته الأسرة التي تناسلت من الملوك الكابيتيين مباشرة وبدأ عهد أسرة فالوا.
وإذا ألقينا نظرة عامة عاجلة على أحوال فرنسا في ذلك الوقت رأينا أنها تقدمت تقدماً عجيباً في النواحي الاقتصادية، والتشريعية، والتعليمية، والأدبية، والفنية. فقد كان نظام رقيق الأرض يختفي من البلاد بخطى سريعة، لأن نمو الصناعات في المدن كان يغري الناس بالنزوع إليها من المزارع، حتى بلغ سكان باريس مائتي ألف في عام ١٣١٤، وبلغ سكان فرنسا ٢٢. ٠٠٠. ٠٠٠ (٨٤). ولما قدم برونتو لاتيني إلى فرنسا فاراً من الاضطهاد السياسي في فلورنس دهش مما كان يسود شوارع باريس في عهد لويس التاسع من أمن وطمأنينة، وما كان في