النيابية. ذلك أن الملوك أرادوا أن يحصلوا على تأييد المدن في صراعهم مع الأشراف، فمنحوا كثيراً من البلدان عهوداً بالحكم الذاتي. وأصبح استقلال المدن بشئونها شهوة جامحة في أسبانيا كلها، فأخذت البلدان الصغرى تطالب بتحررها من البلدان الكبرى أو من الأشراف أو الكنيسة، أو الملك؛ فلما أفلحت في نيل هذه الحرية أقامت مشانقها في السوق العامة رمزاً لحريتها. وكان يحكم برشلونة في عام ١٢٥٨ مجلس مؤلف من مائتي عضو، تمثل كثرتهم الغالبة شئون الصناعة والتجارة (٨٨). وبلغت سيادة المدن زمناً ما حد الاستقلال، وأخذت تشن الحرب على المسلمين أو بعضها على بعض، ولكنها بالإضافة إلى هذا الاستقلال ألفت من نفسها أخوة hermandades للتعاون على العمل أو للمحافظة إلى هذا أمنها وسلامتها. ولما أن حاول الأشراف في عام ١٢٩٥ أن يخضعوا حكومات المدن المحلية ألفت ثلاث وأربعون مدينة "أخوة قشتالة"، وتعهدت كلها بالاشتراك في الدفاع عن استقلالها، وأنشأت لها جيشاً مشتركاً. ولما أن هزمت هذه "الأخوة" الأشراف، فرضت رقابتها على موظفي الملك وكبحت جماحهم، وسنت قوانين تراعيها المدن المنضمة إلى هذا الحلف التي بلغ عددها مائة مدينة في بعض الأحيان.
ولقد جرت عادة الملوك الأسبان من زمن بعيد أن يعقدوا من حين إلى حين جمعية من الأشراف ورجال الدين؛ وأطلق اسم كورتز Cortes أي المحاكم لأول مرة على إحدى هذه الجمعيات التي عقدت في عام ١١٣٧. وضم كورتز ليون الذي اجتمع في عام ١١٨٨ بعض رجال الأعمال يمثلون المدن. وأكبر الظن أن هذا هو أقدم مثل من أمثلة النظم النيابية السياسية في أوربا المسيحية. ووعد الملك في هذا المجلس التاريخي ألا يعلن الحرب أو يعقد الصلح، أو يصدر قراراً إلا بعد موافقة الكورتز (٨٩). واجتمع في قشتالة أول مجلس من هذا النوع مؤلف من الأعيان، ورجال الدين، ورجال المال من الطبقة الوسطى في عام ١٢٥٠