وفيها أخذ يندب نصره الكامل وما حل بأورشليم من دمار، ورفع إلى السماء ذلك السؤال الذي سأله أيوب ولم يجد له جواباً:
"كيف جلست وحدها المدينة الكثيرة الشعب! كيف صارت كأرملة العظيمة في الأمم! السيدة في البلدان صارت تحت الجزية! … أما إليكم يا جميع عابري الطريق، تطلعوا وانظروا إن كان حزن مثل حزني … أنت يا رب أبر من أن أخاصمك، لكن أكلمك من جهة أحكامك. لماذا تنجح طريق الأشرار؟ اطمأن كل الغادرين غدراً"(١٢٩).
وفي هذه الأثناء كان خطيب آخر في بابل يحتمل عن إرميا عبء التنبؤ، وهذا الخطيب هو حزقيال. وكان حزقيال هذا رجلاً من أسرة من الكهنة سيقت إلى بابل في أيام السبي الأول من أورشليم. وبدأ خطبه كما بدأها إشعيا الأول وإرميا مندداً أشد التنديد بما شاع في أورشليم من وثنية في الدين وانحلال في الأخلاق. وشبه أورشليم بالزانية وأخذ يبدي في ذلك ويعيد، لأنها باعت عبادتها للآلهة الغرباء (١٣٠)؛ وشبه السامرة وأورشليم بزانيتين توأمين. وكانت هذه الكلمة تجري على لسانه كما كانت تجري على ألسنة الكُتَّاب المسرحيين أيام عودة آل استيورت إلى عرش إنجلترا. ووضع ثبتاً طويلاً بذنوب أورشليم ثم قضى عليها بالتخريب والسقوط في أيدي الأعداء. وفعل ما فعله إشعيا، فأدان الأمم كلها من غير تمييز بينها وشهر بخطأ موآب وصور ومصر وأشور وأنذرها بالهلاك والسقوط. وحتى أمة ماجوج العجيبة لم تنج من هذا التشهير (١٣١). ولكنه لم يكن في قلبه من الحق عليها ما كان في قلب إرميا، فقد رق قلبه لها في آخر الأمر وأعلن أن الله سينجي "بقية" من اليهود، وتنبأ بأن المدينة ستبعث حية (١٣٢). وأخذ يصف ما يراه بعين الخيال من بناء المعبد الجديد فيها، وتصور قيام مدينة فاضلة للكهنة فيها الكلمة العليا والمقام الأعظم، يقيم فيها يهوه مع شعبه أبد الدهر.