للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالمرضى والفقراء، وألا يقسموا قط، وأن يستمسكوا على الدوام بالسلم؛ وكان يقال لهم إن العنف يتنافى مع الخلق الكريم، ولو كان موجهاً للكفار، وإن عقوبة الإعدام من أكبر الجرائم، وإن على الإنسان أن يوقن وهو مطمئن أن الله سينتصر (١) آخر الأمر على الشر من غير أن يستخدم وسائل شريرة (١٦). ولم يكن في هذه الفلسفة الدينية نار ولا مطهر، بل إن كل نفس ستنجو بعد أن تتقلب في عدة أدوار من التناسخ تطهرها من آثامها. ولا بد للإنسان أن يموت وهو طاهر لكي يصل إلى السماء؛ ولهذا كان عليه أن يتلقى من قس مسيحي القداس الأخير الذي يتم تطهير الروح من آثامها. وكان الكثاريون المؤمنون يؤجلون هذا القداس (كما كان بعض المسيحيين الأولين يؤجلون التعميد) إلى مرضهم الأخير في ظنهم، وكان الذين يشفون من هذا المرض يتعرضون لخطو الدنس من جديد، وللموت دون أن يقوموا بمراسيم القداس الأخير، ولهذا كان من أكبر البلايا أن يشفى الشخص من مرضه بعد أن يقوم بمراسيمه. وكان القساوسة الألبجنسيون يتهمون بأنهم يعملون لمنع هذه الكارثة بإقناع الكثيرين من المرضى الذين يشفون بأن يميتوا أنفسهم جوعاً ليرقوا إلى السماء. ويؤكد لنا أعداؤهم أنهم كانوا في بعض الأحيان يميتون المريض خنقاً برضاه حتى لا يكون ثمة مجال لاحتمال شفائه من مرضه الأخير (١٧).

ولقد كان يسع الكنيسة أن تترك شيعة الكاثارى تقضى بنفسها على نفسها، لولا أن هذه الطائفة أخذت توجه سهام النقد إلى الكنيسة. فقد أنكرت أن الكنيسة كنيسة المسيح. وقالت إن القديس بطرس لم يأت قط إلى رومة، ولم يؤسس البابوية، وإن البابوات خلفاء الأباطرة لا خلفاء الرسل، وإن المسيح لم يجد له مكاناً يضع فيه رأسه، أما البابا فيسكن قصراً منفياً، وإن المسيح لم يكن له ملك ولا مال ولكن كبار رجال الدين المسيحيين من ذوي الثراء


(١) من تقرير كتبه سكوني Sacchoni أحد قضاة محكمة التفتيش (١٢). ولسنا نعرف شيئاً من عقائد الكاثارى وشعائرهم إلا منقولا عن أعدائهم. أما ما كتبوه هم فقد ضاع أو تلف.