أي الذين عاشوا مغمورين في فقرهم، وعفتهم وتقواهم - نجا هؤلاء من الغيبة، ومن التاريخ، ذلك أن الفضيلة لا تنقل أخبارها، وأن القراء والمؤرخين يملون تكرارها. فنحن نسمع "صروح شامخة يملكها الرهبان الفرنسيسيون منذ عام ١٢٤٩، وفي عام ١٢٧١ أبلغ روجر بيكن - الذي طالما تفرق سامعوه من حوله لشدة مغالاته - أبلغ هذا الراهب البابا أن " الطوائف الحديثة قد سقطت سقوطاً مروعاً من علياء كرامتها الأولى " (٦٩). ولكن هذه ليست هي الصورة التي يصورها لنا الأخ سلمبين Salimbene في أخباره الصريحة الدقيقة (١٢٨٨؟) فها هو ذا راهب فرنسيسي بتنقل بنا إلى ما وراء السجف إلى الحياة اليومية للطائفة التي ينتمي إليها. ولسنا ننكر أن في حياة أفرادها هفوات متفرقة، وأن فيها شيئاً من التنازع والتحاسد، ولكن جو من التواضع، والبساطة، والأخوة، والسلام يغمر هذه الحياة الشاقة المكبوتة (٧٠). وإذا ما دخلت بين الفينة والفينة امرأة في هذه القصة، فكل ما لها فيها من أثر أنها تضفي مسحة من الرشاقة والحنان على حياة العزلة والضيق التي يحياها أولئك الرهبان. وها هو ذا مثل من ثرثرة الأخ سلمبين الصريحة.
كان في دير بولونيا شاب يسمى الأخ جويدو Guido اعتاد أن يغط في نومه غطيطاً عاليا لا يستطيع معه إنسان يبقى معه في نفس البيت ولهذا أمر أن ينام في سقيفة من الخشب والقش. ولكن هذا أيضا لم ينج منه الإخوان، لأن هزيم هذا الرعد الملعون كان يتردد صداه في جميع اتجاه الدير. ولهذا اجتمع القساوسة وذوو الرأي من الإخوان على بكرة أبيهم … وأصدروا رسمياً أن يردوه إلى أمه التي خدعت الطائفة، لأنها كانت تعرف هذا كله عن ولدها فبل أن تضمه إلينا. ولكنه مع ذلك لم يرسل إلى أمه، وكان عدم إرسال بفعل الله … ذلك أن الأخ نقولاس قال في نفسه: إن الغلام سيطرد لعيب طبيعي فيه، دون