للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

نجد فنانين منفردين تسيطر شخصياتهم على أعمالهم وتخلد أسماءهم. من هؤلاء نيقولو بيزانو Niccolo Pisano الذي اجتمعت له عدة مؤثرات مختلفة انصهرت كلها فخرجت منها شخصية مركبة فذة. فقد ولد هذا الفنان في أبوليا عام ١٢٢٥ واستمتع فيها بالجو الحافز الذي يحيط بحكم فردريك الثاني، ويبدو أنه درس فيها بقايا الفن الإيطالي القديم وآثاره المعادة (٢٦). ثم انتقل إلى بيزا وورث فيها التقاليد الرومانسية، وسمع بالطراز القوطي الذي بلغ وقتئذ ذروة مجده في فرنسا. ولما أن نحت منبراً لمكان التعميد في بيزا اتخذ له نموذجاً تابوتاً في عهد هدريان. وقد تأثر أشد التأثر بالخطوط القوية الرشيقة التي تمتاز بها الأشكال القديمة، ولهذا فإن معظم الأشكال التي في منبره ذات ملامح وثياب رومانية وإن كانت أقواسه رومنسية وقوطية، فوجه مريم الذي نراه في لوحة المخاض وثوبها هما بعينهما وجه امرأة رومانية وثيابها، ونرى في إحدى الزوايا صورة لشخص رياضي عار شاهدة على الروح اليونانية القديمة التي كان يتأثر بها هذا الفنان، ودبت الغيرة في هذه التحفة في قلب سيينا (١٢٥٦) فاستخدمت نقولو وأبنة جيوفيني، وتلميذه أرنلفو دي كمبيو Arnolfo di Cambio في صنع منبر أجمل من هذه لكنيستها، وحالفهم التوفيق في هذه المهمة. ويقوم المنبر الجديد المصنوع من الرخام الأبيض على عمد ذات تيجان تمثل أوراق النبات، وتتكرر فيه الموضوعات التي في منبر بيزا مع لوحة مزدحمة تمثل الصلب. وهنا يتغلب التأثير القوطي على التأثير الروماني القديم، ولكن المزاج القديم يظهر فيما يسبغه الفنان على الصورة النسائية التي تتوج الأعمدة من صحة سابغة لإخفاء فيها. وكأنما أراد نقولو أن يؤكد عواطفه الرومانية القديمة فوق قبر القديس دمنيك الناسك في بولونيا صوراً كاملة عن الرجولة على الطراز الوثني مليئة ببهجة الحياة. وانضم في عام ١٢٧١ إلى ابنه وأرنلفو لينحتوا الواجهة الرخامية التي لا تزال حتى اليوم قائمة في ميدان بروجيا العام. ومات بعد سبع سنين من ذلك الوقت، وهو لا يزال إلى