للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أعلى من التي يغنيها الرجال، وكان هذا النشيد موسيقى سهلة على ذات المدى القليل، وكانت تسمح من حين إلى حين بإضافة نغمة أو بضع نغمات مركبة غير لفظية تحلى بها الأغنية، وكانت في مجموعها فواصل متصلة متحررة من قيود الوزن والقافية غير مقسمة إلى أوتاد أو تقسيم الذي تلقى فيه وكانت العلامات الموسيقية الوحيدة المستعملة في النشيد الجريجوري قبل القرن الحادي عشر تتألف من إرشادات صغيرة مأخوذة من علامات التنبير اليونانية توضع فوق الكلمات المراد غناؤها. وكانت هذه "الأنفاس" تدل على ارتفاع النغمة أو انخفاضها، ولكنها لا تدل على درجة الارتفاع أو الانخفاض، ولا تدل على مدة النغمة، فقد كانت هذه تعرف بالتواتر الشفوي وبحفظ طائفة جد كبيرة من أغاني الطقوس الكنسية. ولم تكن يسمح بأن تصحب الغناء آلة موسيقية، ولكن النشيد الجريجوري أصبح على الرغم من هذه القيود-أو لعله أصبح بسبب هذه القيود- أعظم مظاهر الطقوس الكنسية المسيحية واقعاً في النفس. وإن الأذن الحديثة التي اعتادت التوافق الموسيقي المعقد لتجد هذه الأغاني مملة رقيقة، وترى فيها استمراراً للتقاليد اليونانية، والسورية، والعبرية، والعربية ذات الصوت الواحد التي لا تقدرها في هذه الأيام إلا الأذن الشرقية. لكن الأناشيد التي تغنى في كثدرائية رومانية كاثوليكية في أسبوع الآلام، تنقذ بالرغم من هذا النقص إلى قلوب المستمعين بقوة سريعة عجيبة لا نجدها في الموسيقى التي تلهي تعقيداتها الأذن بدل أن تحرك الروح.

وانتشر النشيد الجريجوري في أوربا الغربية كأنه انتشار آخر للدين المسيحي، ورفضته ميلان، كما رفضت السلطة البابوية، وظلت أسبانيا زمناً طويلا محتفظة بنشيد"مستعرب Mozarabic" ألفه المسيحيون الخاضعون لحكم المسلمين، وهو نشيد لا يزال يتلى حتى اليوم في جزء من كثدرائية طليطلة. واستبدل شارلمان، وهو الحاكم المحب للوحدة، النشيد الجريجوري بالنشيد الغالي