الموسيقى فيما بعد خطاً خامساً. وكتب جويدو ويقول إن غلمانه المرنمين قد استطاعوا بهذا المدرج الجديد وبالنغمات أت، ري، مي، أن يتعلموا في أيام قليلة ما كان يتطلب منهم قبلئذ عدة أسابيع "وكان هذا تقدماً يسيراً ولكنه تقدم عظيم الشأن بدأ به عهد جديد في تطور الموسيقى، وبفضله لقب جويدو بلقب "مخترع الموسيقى" وأقيم له تمثال فخلا يزال يرى في ميدان أرزو العام إلى هذا اليوم. وأحدث هذا التطور انقلاباً عظيما في الموسيقى، فبفضله تحرر المغنون من حفظ الترانيم الموسيقية الدينية كلها عن ظهر قلب، وأصبح من الميسور أكثر من ذي قبل تأليف الموسيقى، ونقلها، وحفظها، كما أصبح في مقدور العازف أن يقرأ النغمات الموسيقية بمجرد النظر إليها، ويستمع إليها بعينه، ولم يعد المؤلف مضطراً إلى أن يكون قريباً من الألحان التقليدية خشية أن يرفض المغنون حفظ الأدوار التي يؤلفها، بل أصبح في مقدوره أن يغامر بألف من التجارب. وأهم من هذا كله أنه قد أصبح في وسعه أن يكتب موسيقى متعددة الأنغام، يمكن أن يغنيها صوتان أو أكثر من صوتين في وقت واحد، أو أن يعزف اثنان أو أكثر من اثنين ألحاناً مختلفة ولكنها متوافقة.
ونحن مدينون لآبائنا في العصور الوسطى باختراع آخر لأمكن بفضله وجود الموسيقى الحاضرة. ذلك أنه قد أصبح من المستطاع تلحين الغناء بنقط توضع سطور المدرج الموسيقي أو بينها، ولكن هذه العلامات لم تكن تدل أية دلالة على المدى الذي يجب أن تمتد إليه النغمة، وأصبح لابد لتطور الموسيقى ذات اللحنين المستقلين (أو الأكثر من لحنين) تعزفان متناسقين في وقت واحد، أصبح لا بد لهذا التطور من وجود طريقة يقاس بها زمن كل نغمة وتدل على هذا الزمن، وربما كانت معلومات منقولة عن رسائل الكندي، والفارابي، وابن سينا وغيرهم من علماء المسلمين وفلاسفتهم الذين عالجوا موضوع أطوال النغمات الموسيقية أو علامات القياس (٧). وكتب قس عالم في الرياضة من كولولي