للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صحب الصوت الثاني نغمة الصادح الآخذة في الارتفاع بحركة انخفاض مقابلة لها. وأصبح هذا التوافق عن طريق التباين وحل التنافر المؤقت في يسر، أصبح هذا وذاك هياماً عند المؤلفين يكاد يجري مجرى القانون، وهذا دعا جون كتن John Cotton أن يكتب حوالي ١١٠٠ ويقول: " إذا كان الصوت الرئيسي يرتفع، وجب أن ينخفض الجزء المصاحب له" (٩). وانتهى الأمر بأن جعلت ثلاثة أصوات مختلفة، أو أربعة، أو خمسة بل ستة في بعض الأحيان تغنى في مجموعة متشابكة من الإيقاع الانفرادي، تتقابل فيه الألحان المتباينة المتطابقة وتمتزج في انسجام رأسي أفقي دقيق، رشيق، شبيه بالعقود المتقابلة في قبة قوطية. ولم يحل القرن الثالث حتى كان هذا الفن القديم فن تعدد الأصوات قد وضع أساس التأليف الموسيقي الحديث.

وكان التحمس للموسيقى في هذا القرن ذي العواطف الثائرة والمهتاجة يضارع الولع بالعمارة والفلسفة. وكانت لكنيسة تنظر شزراً إلى تعدد الأصوات في الموسيقى، لأنها لم تكن تثق بقوة التأثير الديني للموسيقى إذا ما أصبحت في نفسها إغراء وغاية. ولهذا دعا جون أسقف سلزبري وفيلسوفها إلى وجوب وقف حركة التعقيد في التأليف الموسيقي. ووسم الأسقف جوليوم دوراند Guillaume Durand الصادح بأنه "موسيقى مختلفة النظام"، وأسف روجر بيكن، الثائر في ميدان العلم، لزوال النشيد الجريجوري الضخم. وندد مجلس ليون Lyous (١٣٧٤) بالموسيقى الجديدة، وأصدر البابا يوحنا الثاني عشر (١٣٢٤) اعتراضاً على الموسيقى المتعددة الأصوات لأن المؤلفين أصحاب هذه البدعة: " يفتتون الألحان .. فتندفع بعضها في إثر بعض بلا توقف، حتى تسكر الأذن من غير تهدئها، وتقلق بال المتعبد الخاشع دون أن تثير فيه خشوعه" (١٠). لكن الثورة ظلت تجري في مجراها، ففي أحد حصون الكنيسة الحصينة - كنيسة نتردام في باريس- ألف ليونينس Leoninus رئيس جماعة