للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

اللتين يقوم عليهما - فيما يبدو لها- نظام أوربا الأخلاقي والاجتماعي؟ ألم يشرع آرلد البرشيائي Arnold of Brescia أحد تلاميذ أبلار يشعل فعلاً نار الثورة في إيطاليا؟

وأكبر الظن أن هذه الاعتبارات أو نحوها هي التي أوقفت القديس برنار موقف العداء جهرة أمام أبلار. ذلك بأن حارس الدين الحريص على سلامته قد أشتم رائحة الخطر الذي يتهدد معتنقيه، فقاد المؤمنين إلى النضال. وكان من وقت بعيد ينظر بعين الارتياب إلى هجمات العقل الجريْ المتربص بالدين؛ ويبدو له أن طلب العلم إذا لم يقصد به خدمة الدين هو الوثنية بعينها؛ أما أن يحاول إنسان تفسير الأسرار المقدسة بقواعد العقل والمنطق فهو المعصية والحماقة؛ والعقل الذي يبدأ بتفسير هذه الأسرار الخفية سينتهي آخر الأمر إلى تدنيسها. ولم يكن القديس بالرجل الشرس المتربص للشر؛ ذلك أنه لما أن لفت وليم التييري أحد رهبان ريمس نظره في عام ١١٣٩ إلى ما في تعاليم أبلار من خطر، وطلب إليه أن يتهم الفيلسوف، صرف الراهب من عنده ولم يفعل شيئاً. ولكن أبلار نفسه استعجل الأمور بأن كتب إلى كبير أساقفة سان Sens أن تتاح له أثناء انعقاد مجلس الكنيسة المقبل في تلك المدينة، فرصة يدفع فيها عن نفسه تهمة الإلحاد التي يذيعها بعضهم عنه. ووافق كبير الأساقفة على هذا الطلب، لأنه لم يكن يرى بأساً في أن يكون كرسيه قبلة العالم المسيحي؛ وأراد أن يكون الكفاح قوياً فدعاً برنار إلى الحضور، ولكنه أبى وقال أنه سيكون في حلبة الجدل "طفلاً لا أكثر" أمام أبلار الذي تدرب على المنطق أربعين عاما. غير أنه كتب إلى عدد من الأساقفة بحثهم على الحضور للدفاع عن الدين:

"يحاول بطرس أبلار أن يقوض فضائل الدين المسيحي حين يدعى لنفسه القدرة على فهم الله فهما كاملاً بالاعتماد على العقل البشري. فهو يرقى إلى السموات العلا، وينزل إلى الأغوار السحيقة؛ ولا يستطيع شيء أن يختفي