عنه! … وهو لا يكتفي بأن ينظر إلى الأشياء من خلال المنظار نظرة غير واضحة، بل يرى أن لابد له من النظر إلى الأشياء وجهاً لوجه … أن فيه لشبها بأربوس حين يتحدث عن التثليث، وبيلاجبوس Pelagius حين يتحدث عن البركة، ونسطوريوس حين يتحدث عن شخص المسيح … أن دين المتقين هو الإيمان والتصديق، لا المجادلة؛ أما هذا الرجل فليس له عقل يصدق به ما لم يسبق له أن ناقشه بمنطقه (٤٦).
وتغلب أتباع برنار عليه، وأظهروا له ضعفهم، فاضطروه إلى الحضور؛ فلما أقبل أبلار على سان (يونية سنة ١١٤٠) وجد الجماهير، كما وجدها في سواسون قبل ذلك الوقت بتسعة عشر عاما، ثائرة عليه لمجرد وجود برنار في المدينة، ولعدائه الشديد له، حتى لم يكن يجرؤ على الظهور في شوارعها. أما كبير الأساقفة فقد حقق حلمه، لأن سان بدت أسبوعاً كاملاً وكأنها مركز العالم كله. لقد جاء إليها ملك فرنسا تحف به حاشيته الفخمة، وأقبل عليها عشرات من كبار رجال الكنيسة، وكان برنار الذي أقعدته الرثية وعلت وجهه صرامة القداسة يبعث الرعب في قلوبهم جميعاً. وكان بعض أولئك الأحبار قد أحسوا فرادى أو مجتمعين بوخز الطعنات التي وجهها أبلار لمعائب رجال الدين، ولفساد أخلاق القساوسة والرهبان، وبيع صكوك الغفران، واختراع المعجزات الزائفة وأيقن أبلار أن المجلس سيدينه، فحضر جلسته الأولى وأعلن أنه لن يرضى بأن يحكم عليه غير البابا نفسه، ثم غادر الاجتماع وخرج من المدينة. ولم يكن المجلس واثقاً، بعد أن طلب إليه التنحي عن الحكم، أن من حقه قانوناً أن يحاكم أبلار؛ ولكن برنار أكد له أن هذا من حقه، فأخذ المجلس يطعن في ست عشرة مسألة منتزعة من كتب أبلار، ومن بينها تعريفه للذنب، ونظريته في التثليث التي يقول فيها أنه هو القدرة، والحكمة، والحب من صفات الإله الواحد.
وسافر أبلار إلى روما ليعرض قضيته على البابا وهو لا يكاد يملك شروى نقير،