للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بقوله: (لا أستطيع؛ لقد تكشفت لي أشياء يبدو لي معها أن ما كتبته ليس الا هباء) (٥٨). ودعاه جريوجوري العاشر في عام ١٢٧٤ لحضور مجلس ليون؛ وبدأ سفره الطويل على ظهر بغل مخترقاً إيطاليا، ولكنه اعتراه الضعف في الطريق بين نابلي وروما فآوى إلى الفراش في دير السترسبين فسانوفا Fossanuova بكنبانيا، وتوفي في عام ١٢٧٤ غير متجاوز التاسعة والأربعين من عمره.

ولما ضم بعد وفاته إلى مجمع القديسين شهد شهود بأنه كان حلو اللسان، سهل الحديث، بشوش الوجه وديعاً .. كريم الاخلاق، صبوراً إلى أقصى حد، يتلألأ وجهه بالبشاشة والتقوى الممزوجة بالرقة، شديد العطف على الفقراء (٥٩). وكان منهمكاً في التقى والدرس انهماكاً يشغل كل تفكيره وكل لحظة يقضيها مستيقظاً في يومه. يحضر جميع الصلوات المقررة في مواعيدها، يتلو قداسا أو يستمع لقداسين في كل صباح، ويقرأ ويكتب، ويعظ ويعلم، ويصلي. وكان من عاداته قبل أن يلقي عظة أو محاضرة، وقبل أن يجلس للدرس أو التأليف، أن يصلي؛ وكان زملاؤه الرهبان يظنون أنه (مدين بعلمه إلى صلواته اكثر مما هو مدين به إلى جهود عقله) (٦٠). وأنا لنجد من حين إلى حين على هامش مخطوطاته دعوات صالحات مثل (السلام عليك يامريم Ave Maria!) (٦١) . وقد انهمك في الحياة الدينية والعقلية انهماكاً قلما كان يلاحظ معه ما يحدث حوله؛ فكانت صحفته ترفع وتغير في غرفة الطعام دون ان يدري ما بها في بعض الأحيان؛ ولكن يبدو أن شهيته للطعام كانت جيدة. دعى مرة للعشاء مع جماعة من رجال الدين على مائدة لويس التاسع، فترك العنان للتفكير وهو جالس إلى المائدة حتى نسى نفسه، ثم ضرب المائدة فجأة بقبضته وصاح قائلاً: (هذه هي الحجة الدامغة ضد المانويين!). وانبه رئيس ديره على عمله هذا وقال له: انك جالس إلى مائدة ملك فرنسا، ولكن لويس اظهر من الرقة والمجاملة ما هو خليق بملك مثله، فأمر أحد اتباعه بأن يأتي للراهب المنتصر بأدوات