للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كتابية (٦٢). ومع هذا كله كان بمقدور الراهب المنهمك في أمور الدين أن يكتب في كثير من شئون الحياة العملية كتابة جيدة المعنى. وكان الناس يلاحظون كيف يستطيع أن يكيف مواعظه لتلائم عقول زملائه الرهبان المجدين في الدرس، أو عقول العامة السذج. وكان بعيداً عن التكلف، عديم مطالب الحياة، لا يسعى إلى ألقاب التعظيم، ويرفض الرقى الى مناصب الكنيسة، وقد انتشرت كتاباته في جميع العالم، ولكنها لا تحتوي على كلمة واحدة نابية؛ وهو يواجه بها كل حجة مقاومة لدينه، ويقرعها بالحسنى وفي هدوء.

وجرى على عادة زمانه وزاد عليها، فكان يعترف بصراحة بما يأخذه عن غيره، فهو يقتبس من ابن سينا، والغزالي، وأبن رشد، واسحق اسرائيلي، وابن جبيرول، وابن ميمون؛ وما من شك في أن أي طالب لا يستطيع فهم فلسفة القرن الثالث عشر المدرسية من غير أن يدرس ما سبقها من فلسفات المسلمين واليهود. ولا يشارك تومس وليم الأوفرني في تقديره لابن جبيرول، ولكنه عظيم الاجلال (للرابي ميسيز Rabbi Moyses) كما يسمى موسى بن ميمون، ويقول بما قال به هذا الفيلسوف من انه يمكن التوفيق بين العقل والدين، ولكنه يوافقه أيضاً على ان بعض أسرار الدين بعيدة عن متناول العقل؛ وينقل الحجج المؤيدة لهذا البعد من كتاب دلالة الحائرين (٦٣). وهو يتفق مع ابن ميمون في أن مقدور العقل البشري ان يثبت وجود الله، ولكنه ليس في مقدوره ان يسموا لمعرفة صفاته، وهو يتتبع خطى ابن ميمون خطوة خطوة في بحث أزلية العالم (١). ويسترشد في المنطق وما بعد الطبيعة بأرسطو ويكاد ينقل عنه في كل


(١) ويقول العالم جلسن Gilson: " لو أن ابن ميمون لم يتأثر بابن رشد فيعتنق فكرة خاصة عن الخلود، لكان في وسعنا أن نقول إن ابن ميمون وتومس يتفقان في جميع النقط الهامة" (٦٥) وفي هذا القول شئ من المبالغة إلا إذا قلنا إن التثليث وتجسد الأقنوم الثاني، والكفارة من العناصر غير ذات الشأن في الدين المسيحي.