صفحة من كتبه، ولكنه لا يتردد في أن يخالفه حينما يحيد الفيلسوف عن العقائد المسيحية؛ وبعد أن يعترف بان التثليث، والتجسد، والافتداء، ويوم الحساب لا يمكن إثباتها عن طريق العقل، يتقبل حكم العقل في جميع المسائل الأخرى قبولا كاملاً لا تردد فيه، ارتاع له اتباع أوغسطين. وكان ينزع الى مبادئ الصوفية في اعترافه بان بعض العقائد المسيحية فوق متناول العقل البشري، ويشاركهم في الشوق الى الاتحاد مع الله؛ ولكنه كان من جماعة (العقليين) لانه يفضل العقل على (القلب) بوصفه أداة توصل الى الحقيقة. وقد تنبأ بان أوربا مقبلة على (عصر العقل)، وكان يرى أن من واجب الفيلسوف المسيحي أن يستعد لملاقاة هذه النزعة الجديدة في ميدانها. وكان يبدأ حججه المنطقية بأقوال يقتبسها من الكتاب المقدس وآباء الكنيسة، ولكنه يقول بصراحة محكمة قوية:(أن الحجة التي تستند إلى أقوال الغير أوهن الحجج)(٦٦). ومن أقواله في هذا المعنى:(أن دراسة الفلسفة لا تهدف الى الكشف عما فكر فيه الآخرون بل تريد أن تصل إلى حقيقة الأمور)(٦٧). وان كتاباته لتضارع كتابات أرسطو فيما يسري فيها كلها من منطق.
وقلما نجد في التاريخ كله عقلاً واحداً اخضع مثله ميدانا من ميادين التفكير بمثل هذه السعة لحسن التنظيم وللوضوح. ولن نجد في أسلوب تومس ما يبهر أو يخلب لبنا، فهو أسلوب سهل يصل الى الهدف من اقرب السبل، موجز، دقيق، خال من الحشو والزخرف؛ ولكننا لا نجد فيه مثل ما نجد في أسلوب أوغسطين من قوة، وسعة الخيال، وانفعال ونزعة شعرية. وكان تومس يرى أن لا محل في الفلسفة للبلاغة، وكان يستطيع إذا شاء أن ينازل الشعراء في ميدانهم؛ ذلك أن اقرب ما كتبه الى الكمال هو الترانيم والأوراد التي وضعها لصيد القربان المقدس، ومن بينها ترنيمة Lauda Sion salvatorem التي تقول بوجود جسم المسيح ودمه وجوداً حقيقيا في العشاء الرباني، وصاغها في شعر فخم