يستند في كل ما يورد من حجج في هذا الكتاب الى العقل والمنطق، وان كان يقول في أسف أن (هذا لا يكفي في الأمور المتعلقة بالله)(٦٨). وهو يتخلى فيه عن الطريقة المدرسية في النقاس، ويعرض مادته في أسلوب يكاد يكون هو الأسلوب الحديث بعينه، ويعرضها أحياناً بمرارة لا تليق بهذا العالم الوديع الشبيه بالملاك. وهو يقول أن المسيحية دين الهي بلا ريب؛ لأنها غلبت روما وأوروبا على الرغم من دعوتها ضد ملاذ الدنيا وملاذ الجسد، وهي الدعوة التي لا يرحب بها الناس (٦٩)؛ وهو يعترف صراحة الجزء الرابع من الكتاب بان العقائد الأساسية في الدين المسيحي لا يمكن إثباتها بالاستناد الى العقل والمنطق، وأنها تتطلب الإيمان بالوحي الإلهي كما جاء في الكتب المقدسة عند اليهود والمسيحيين.
ويوجه تومس أوسع كتبه كلها وهو خلاصة اللاهوت الى المسيحيين أنفسهم؛ وهو محاولة لشرح مجموعة العقائد الكاثوليكية في الفلسفة واللاهوت والدفاع عنها بالاستناد الى الكتب المقدسة وكتب آباء الكنيسة إلى العقل (١). ومما جاء في مقدمة الكتاب:(سنحاول أن نتتبع الأمور المتعلقة بالعقائد المقدسة بإيجاز ووضوح بقدر ما تسمح به مادة هذا الموضوع). وقد يكون من حقنا ان نبتسم لهذا الإيجاز الذي يحتويه واحد وعشرون مجلداً، ولكن هذا ما يقوله المؤلف. والحق أن هذه الخلاصة ضخمة الحجم ولكنها بعيدة عن الحشو واللغو؛ وليست ضخامة حجمها إلا نتيجة سعة مجال بحثها؛ ذلك أن في هذه الرسالة عن اللاهوت رسائل كاملة فيما بعد الطبيعة، وفي علم النفس، والاخلاق، والقانون؛ وفيها ثمان وثلاثون رسالة، و ٦٣١ سؤالاً أو موضوعاً، وعشرة آلاف اعتراض أو رد. وترتيب الحجج الخاصة بكل سؤال مما يدعو إلى الإعجاب.
(١) هذا الكتاب من أوله إلى السؤال التسعين من الجزء الثالث بما فيه هذا من تأليف تومس؛ أما بقية الكتاب فقد يكون من تأليف ريجلند البيرنوي رفيقه وناشر كتبه.