الفخمة". وأسر ماركو وهو يحارب في جيش مدينة البندقية في عام ١٢٩٨، وألقي في سجون جنوى عاماً كاملاً، وفي أملى قصته على زميل له في السجن. وأثبتت بحوث الرواد بعدئذ صحة عناصر قصته كلها تقريباً، وكانت تعد من قبل غير معقولة. فقد وصف ماركو للمرة الأولى رحلة تخترق جميع بلاد آسية، وفي كتابه أول لمحة كتبها أوربي عن بلاد اليابان، وأول وصف صادق لبكين، وجاوة، وسومطرة، وسيام، وبورما، وسرنديب، وساحل زنجبار، ومدغشقر، وبلاد الحبشة؛ وكشف كتابه للغرب الستار عن بلاد الشرق، وساعد على فتح طرق جديدة للتجارة، ولانتقال الأفكار، وكان له نصيب في تشكيل علم الجغرافية الذي أوحى إلى كولمبس بالسفر إلى الشرق بالاتجاه نحو الغرب.
ولمّا تسع ميدان التجارة والأسفار أخذ علم رسم الخرائط يعود متثاقلاً إلى المستوى الذي بلغه في أيام أغسطس، وشرع الملاحون يُعِدُّن كتباً يُهتَدَى بها إلى الثغور التجارية، تحتوي خرائط، ورسوماً، وإرشادات للسائحين، وأوصافاً لمختلف المرافئ؛ وبلغت هذه الكتب على أيدي أهل بيزا وجنوى درجة كبرى من الدقة. وكانت خرائط العالم التي رسمها الرهبان في ذلك الوقت إذا قورنت بغيرها تسير على نمط محدد لا تحيد له ويصعب فهمها.
وكانت رسائل أرسطو في علم الحيوان، وكتاب ثيوفراسطس الحجة في النبات، حافزاً قوياً لعقل الغرب المستيقظ من رقاده، فأخذ يكافح للخروج من القصص ومن أقوال بلني إلى علم الحيوان والنبات. وكان كل إنسان تقريباً في ذلك الوقت يعتقد أن الكائنات العضوية الصغيرة، بما فيها من الديدان والذباب، تتولد من تلقاء نفسها من التراب، والطين، والمواد المتعفنة، الفاسدة. وكادت الكتب التي تصف الحيوانات - الحقيقي منها والخرافي - وترسم صوراً لها تحل محل كتب علم الحيوان؛ وإذ كان الرهبان هم الذين يؤلفون معظم هذه الكتب فقد كان علم الحيوان يوصف في عبارات مستمدة من كتب اللاهوت