ولمّا صلحت أحوال النظام الاجتماعي، وارتفعت منزلة المرأة على أثر ازدياد الثروة، تختل الحرب عن مكانها في هذه الأغاني للحب، فأضحى هو موضوع الشعراء الرئيسين فلمّا كان القرن الثاني عشر حلت القصص الغرامية محل أغاني الأفعال، وجلست المرأة على عرش الأدب، وظلت تجلس عليه قروناً عدة. وكان اللفظ الفرنسي roman المقابل للرواية الغرامية يعني في أول الأمر أي مؤلَف مكتوب باللغة الفرنسية التي كانت تسمى هي الأخرى رومان Roman دليلاً على أنها من تراث الرومان الأقدمين. ولم تكن القصص الغرامية Romances تسمى في اللغة الفرنسية بهذا الاسم لأنها قصص وجدانية، بل كان الأمر عكس هذا أي أن بعض العواطف أضحت توصف بأنها رومانسية romantic ( وجدانية) لأنها كثيراً ما كتبت بهذه اللغة الرومانية roman الفرنسية. فكانت رواية الوردة Roman de la rose أو طروادة le Troie أو الثعلب de Renard لا تعني أكثر من قصة عن وردة، أو عن طروادة، أو عن ثعلب باللغة الرومانية أي الفرنسية الأولى. وإذ كانت كل صورة أدبية يجب ألاّ تولد في عرف الأدباء إلاّ من أبوين شرعيين، فإن لنا أن نعزو اصل الروايات الغرامية إلى أغاني الأفعال ممتزجة مع ما كان في قصائد شعراء الفروسية الغزلين من عواطف الغرام. ولعل بعض مادة هذه القصص قد أخذ من الروايات اليونانية مثل أثيوبيكا Ethiopica لهليودورس Heliodorus. وكان لكتاب واحد يوناني ترجم إلى اللغة اللاتينية في القرن الرابع أثر عميق في هذه الناحية، ونعني به سيرة الإسكندر الخيالية التي تعزى زوراً إلى كلسثنيز Callisthenes مؤرخه الرسمي. ذلك أن القصص التي تروى عن الإسكندر أضحت المعين المحبب الذي لا ينضب للفيض المتتابع من "سلاسل" الروايات التي انتشرت خلال العصور الوسطى في أوربا وفي بلاد الشرق الناطقة باللغة اليونانية. وكانت أجمل صورة لهذه القصة في بلاد الغرب هي رواية الإسكندر