وكانت مبادئ العصور الوسطى الخلقية وليدة الهمجية ومنشأ نظام الفروسية. وإن فكرتنا عن السيد الكامل (السيذع) لمن خلق تلك العصور؛ ولا تزال مثل الفروسية العليا؛ وإن بعدت عن أساليب الفرسان القدامى، من أنبل الأفكار التي طافت بالعقل البشري؛ وربما كانت عبادة مريم العذراء قد جاءت بعناصر جديدة من الرقة والحنان إلى أخلاق الرجل الأوربي. وإذ كانت القرون المتأخرة قد ارتقت بأخلاق الناس عمّا كانت عليه في العصور الوسطى، فقد ذلك الرقي على أسس من وحدة الأسرة، والتربية الخلقية، والانتشار البطيء لعادات الشرف، والأمانة، والمجاملة، وهي الأسس التي أرست دعائمها العصور الوسطى، شأنها في هذا شأن الحياة الأخلاقية للمتشككين المحدثين التي لا يبعد أن تكون صدى للمبادئ الأخلاقية المسيحية التي اعتنقها الناس في شباب هذا الدين.
أما تراث العصور الوسطى الذهني فهو أضعف مما ورثناه عن اليونان الأقدمين كما أنه يختلط به كثير من المعارف الخفية الفاسدة التي ترجع أصولها إلى الأزمنة القديمة. ولكنه على الرغم من هذا يشمل اللغات الحديثة، والجامعات ومصطلحات الفلسفة والعلوم. وكانت الطريقة الجدلية المدرسية تدريباً في المنطق لا فتحاً فلسفياً دائماً، وإن كانت هذه الطريقة تسيطر على ألف كلية. ولسنا ننكر أن بعض العقائد الدينية في العصور الوسطى قد عاقت كتابة التاريخ الصحيح؛ فقد كان الناس في تلك العصور يحسبون أنهم يعرفون منشأ العالم والإنسان ومسيرهما، وحاكوا نسيجاً من الأساطير كاد يقصر التاريخ على مؤرخي الأديرة الإخباريين. لكن ليس صحيحاً أن مؤرخي العصور الوسطى لم يكونوا يعرفون شيئاً عن التطور والتقدم؛ وكان القرن الثالث عشر، كما كان القرن التاسع عشر، متأثراً أشد التأثر بما تم فيه من جليل الأعمال. كذلك لم تكن العصور الوسطى زمن ركود وجمود كما كنا نظن ذلك مزهوين؛ ذلك أن بعد ما بيننا وبين تلك