فلما انعقد المجلس المقدس في حجرة مقفلة (١) في كربنتراس Carpentras القريبة من أفنيون احتاط به الغوغاء من أهل غسقونية Gascony وأخذوا يصيحون: "الموت للكرادلة الإيطاليين! " وهوجمت بيوت أولئك الكرادلة، وأشعل المتجمهرون النار في البناء الذي انعقد فيه المجمع المقدس، وفتح الكرادلة لأنفسهم ممراً في الجدار الخلفي، وفروا من الغوغاء والنيران. ولم تبذل أي محاولة أخرى لانتخاب البابا مدة سنتين، ثم رفع الكرادلة آخر الأمر في اجتماع لهم عقد في ليون بحماية الجنود الفرنسيين إلى كرسي البابوية رجلاً كان وقتئذ في الثانية والسبعين من عمره، لا يكاد يخطئ من يظن أنه لن يطول به الأجل، ولكنه قدر له أن يحكم الكنيسة ثمانية عشر عاماً بحماسة، وفظاظة، ونهم لا يشبع، وإرادة حديدية. وكان يوحنا الثاني والعشرون قد ولد في كوهور Cohors من اعمال جنوبي فرنسا، وكان أبوه إسكافا، وكانت هذه هي المرة الثانية التي يختار فيها أبن إسكاف إلى اعلى منصب في العالم المسيحي بفضل الديمقراطية العجيبة القائمة في كنيسة مطلقة في تصرفاتها. وكان إربان الثاني (١٢٦١ - ١٢٦٤) قد مهد الطريق لهذا الاختيار. فقد كان معلماً لأبناء ملك نابلي الفرنسي وكان يوحنا قد درس القانون المدني والكنسي بحماسة قربته من قلب الملك، واختاره بنفياس الثامن بناء على توصية الملك اسقفا لفريجو Fréjus ورفعه كلمنت السابع إلى كرسي أفنيون. وأسكت ذهب ربرت ملك نابلي وطنية الكرادلة الطليان، وأصبح ابن الإسكاف من اعظم البابوات قوة ,وأمضاهم عزيمة.
وأظهر يوحنا من الكفايات ما يندر اجتماعه في إنسان: أظهر جداً في الدراسة، ومهارة في الإدارة-، وأقامت بابوية أفنيون بزعامته نظاماً
(١) جرت العادة منذ عام ١٢٧٤ أن تغلق على الكرادلة الحجرة التي يعقدون فيها المجمع المقدس لاختيار البابا واشتق من هذه العادة أسم المجمع نفسه ( Con-clave ومعناه بمفتاح).