وبالمناصب الكهنوتية، وضم إلى خدمته رجالاً من ذوي الأخلاق الممتازة، والعقول الراجحة، وأنفق من ماله الخاص على ألف طالب في الجامعات، وأنشأ كلية جديدة في منبلييه، وأمد بالمال كثيرين من العلماء، وأراد أن يتوج أعماله البابوية فأعتزم أن يعبد مقرها إلى روما. وارتاع الكرادلة حين علموا بهذه النية، لأن الكثيرين منهم كانت أصولهم ومواضع حبهم في فرنسا، وكانوا مكروهين في إيطاليا، وتوسلوا إليه ألا يلقي بالا إلى مطالب القديسة كترين أو إلى بلاغة بترارك. وشرح لهم إربان الفوضى التي كانت ضاربة أطنابها في فرنسا- التي كانت مليكها أسيراً في إنجلترا، وجيوشها محطمة، والإنجليز يستولون على أقاليمها الشمالية، ويقتربون يوماً بعد يوم من أفنيون، ترى ماذا تعمل إنجلترا إذا انتصرت البابوية التي كانت تخدم فرنسا وتمدها بالمال؟
ونفذ البابا ما اعتزمه فأبحر من مرسيليا في اليوم الثلاثين من إبريل عام ١٣٦٧ تحرسه عدة سفن شراعية إيطالية مفعمة قلوب من فيها بهجة، ودخل روما في السادس عشر من شهر إكتوبر وسط مظاهر الترحيب الذي وصل إلى عنان السماء، ومن العامة، ورجال الدين، والأشراف، وأمسك الأمراء الإيطاليون بزمام البغل الأبيض الذي كان يمتطيه، وانطلق لسان بترارك بالشكر للبابا الفرنسي الذي جرؤ على الإقامة في إيطاليا. وكانت روما وقتئذ مقفرة وإن كانت سعيدة: فقد أفقرها انفصالها الطويل الأمد عن البابوية، وهجر المصلون نصف كنائسها وتهدمت، وتخربت كنيسة القديس بولس، وكانت كنيسة القديس بطرس توشك أن تنهار في أية لحظة، وقصر لاتيران قد دمرته النار منذ عهد قريب، والقصور لا تقل تهدماً عن المساكن الصغيرة، وانتشرت المستنقعات فحلت محل البيوت، وتكدست الأقذار في الشوارع والميادين (١٨). وأصدر إربان الأوامر ببناء القصور البابوية ورصد لها الأموال. ولم يطق صبراً على منظر روما،