الخمسة، كما أطال التفكير القديس فرانسس، حتى كانت تشعر بهذه الجراح في يديها وقدميها وجنبيها. ونبذت كل شهوات البدن، وكانت ترى فيها وسوسة من الشيطان، وأساليب خبيثة لحرمانها من ذلك الحب الذي تنهمك فيه وحده.
وقفت ثلاث سنين لا تكاد تتصرف فيها عن وحدتها وتقواها، أحست بعدها أن في مقدورها أن تخرج آمنة إلى حياة المدينة، وكما أنها كرست أنوثتها للمسيح، فقد خصت ما انطوت عليه من حنان الأمهات إلى العناية بالمرضى، والمعوزين من اهل سينا، فكانت تبقى إلى آخر لحظة مع ضحايا الطاعون، وتواسي بروحها المحكوم عليهم بالإعدام من المجرمين حتى ينفذ فيهم حكم الإعدام (٢٩). ولما توفى والداها وتركا لها ميراثاً صغيراً، وزعته على الفقراء، وكان وجهها، وإن شوهه الجدري، نعمة وبركة لكل من شاهدها. وكان الشبان ينبذون، بكلمة تصدر منها، ما اعتادوه من تجديف، كما كان الكبار يستمعون إلى فلسفتها الساذجة الصادقة فتذوب منها شكوكهم. وكان من رأيها أن جميع شرور الحياة إنما هي نتيجة لخبث الإنسان، ولكن جميع خطايا البشر ستمحى وتزول في بحر الله، وستزول شرور العالم كله إذا رضى الناس أن يعتادوا حب المسيح. وآمن كثيرون من الناس بها، وبعثت إليها مونتي بلشيانو Montepulciano تدعوها لتزيل الخصام بين أسرتيها المتعاديتين، وكانت مدينتا بيزا ولوكا تستنصحانها، ودعتها فلورنس لأن تنضم إلى وفد ترسله إلى أفنيون، وهكذا استدرجت شيئاً فشيئاً إلى شؤون العالم.
وهالها ما شهدته في إيطاليا وفرنسا: فقد رأت روما قذرة، مهجورة، ورأت إيطاليا وقد انفصلت عن كنيسة هجرتها إلى فرنسا، ورأت رجال الدين وقد فقدوا بحبهم الدنيا احترام غير رجال الدين، ووجدت فرنسا وقد خربت نصفها الحروب، وحملتها ثقتها برسالتها القدسية على