وهنا يبدأ كتاب الفن، وهو الكتاب الذي وضع وألف دليلا على تعظيمنا لله ولمريم العذراء … ولجميع القديسين … وإجلالاً لجيتو، وتديو، وأنجولو» (٤٥)، لقد بدأ الفن يأخذ طريقه لأن يكون ديناً. وكان أعظم تلاميذ أنجولو راهب كملدوليسي Camaldulese يدعى لورندسو موناكو Lorenzo Mon. ولقد ظهرت قوة جدية في التصوير والتنفيذ في صورة تتويج العذراء التي صورها الراهب لورنتشي Lawrence (١٤١٣) على ستار المحراب الفخم في ديره المعروف بدير «الملائكة». فقد كانت الوجوه في هذه الصورة فردية لا تجري على النمط التقليدي، وكانت الألوان براقة قوية. لكن تلك الألواح المتنوعة لم يراع فيها فن المنظور، فقد كانت الصورة التي في المؤخرة أطول من التي في المقدمة، كأنها رؤوس النظارة حين يطل عليها الإنسان من فوق المسرح. ومنذا الذي علم المصورين الإيطاليين فيما بعد علم المنظور؟
لقد أخذ بورنلسكو، وجبرتي، ودوناتلو قبل هذا القوت يحاولونه ويقتربون منه، وكاد باولو أتشيلو ينفق فيه حياته كلها، فكان يقضي الليلة بعد الليلة مكباً عليه انكباباً جعل زوجته تستشيط منه غضباً. وحدث أن قال لها مرة:«ألا ما أجمل هذا المنظور وما أعظم فتنته! آه ليتني أستطيع أن أجعلك تفهمي»(٤٦) ولم يكن شيء يبدو لباولو أجمل من تقارب الخطين المتوازين تقارباً مطرداً ثم امتزاجهما آخر الأمر في صورة حقل محروث. وأخذ باولو يصوغ قوانين المنظور مستعيناً على ذلك بأنطونيو مانتي وهو عالم رياضي من أهل فلورن، فشرع يدرس الطريقة التي يمثل بها تمثيلاً دقيقاً عقود القبوة المرتدة عن البصر، وازدياد حجم الأجسام ازدياداً يشوه منظرها حين تقترب من جزء الصورة الأمامي، وما يحدث من التواء في العمد على شكل قوس. وشعر أخيراً بأنه قد وصل إلى القواعد المسيطرة على هذه الأمور الغامضة العجيبة. وعرف أنه بفضل هذه القواعد يستطيع