بُعْد واحد أن يخدع العين فتظنه ثلاثة أبعاد، وأن التصوير يمكن أن يظهر الفضاء والعمق، وخيل إلى باولو أن هذه ثورة لا تقل في عظمتها عن أية ثورة أخرى في تاريخ الفن. وشرح مبادئه هذه فيما أخرجه من صور، ثم زين مقنطرات سانتا ماريا نوفلا بمظلمات أدهشت معاصريه، ولكنها عدت عليها عوامل التعرية. غير أنه لا يزال باقيا من صوره صورة حية واضحة المعالم لسير جون هوكود Sir John Hawkwood على أحد جدران الكنيسة (١٤٣٦)، ذلك أن الزعيم المغامر الفخور قد تحول من هجومه على فلورنس إلى الدفاع عنها، فاستحق بذلك أن ينضم في الكنيسة إلى جماعة العلماء والقديسين.
وكان نمط آخر من أنماط التطور قد بدأ في هذه الأثناء من البداية نفسها ووصل إلى الغاية عينها. فقد كان أنطونيو فينيد سيلنو Antonio Veneziano من أتباع جيتو، وكان جيراردو استارنينا Gerardo Starnina تلميذا لفينيد سيانو، وتتلمذ ماسولينو دا بنيكالي Masolino da Panicale على استارنينا ثم تتلمذ عليه هو مساتشيو. وأخذ ماسولنو ومساتشيو يدرسان فن المنظور مستقلين عن باولو، وكان ماسولينو من الرعيل الأول من الإيطاليين الذين صوروا الأجسام العارية، كما كان مساتشيو أول من طبق مبادئ علم المنظور الجديدة بنجاح استرعى أنظار أهل جيله وبدأ بذلك عهداً جديداً في فن التصوير.
وكان أسمه الحقيقي هو توماسو جيدي سان جيوفني Tommaso Guidi di San Giovanni، أما مساتشيو فقد لقب به من قبيل السخرية ومعناه تومس الكبير. كما أن ماسولينو يعني تومس الصغير، ذلك أن إيطاليا كانت مولعة بأن تلقب أبناءها بهذه الألقاب المميزة لهم. وعمد مساتشيو إلى الفرشاة في سن مبكرة، وانهمك في التصوير انهماكا أهمل معه كل شيء سواه-ملابسه، وجسمه، ودخله، وديونه. وعمل