ويستطيع وقدماه موثوقتان أن يقفز من فوق رجل واقف، كما يستطيع وهو واقف في الكاتدرائية الكبرى لأن يقذف بقطعة من النقود إلى داخل حلقة في القبوة، وكان يسلي نفسه بترويض الحيوان البري وتسلق الجبال. وكان إلى هذا مغنيا بارعاً، وعازفاً قديراً على الأرغن، ومحدثاً ساحراً، وخطيباً مفوهاً، يقظ الذهن هادئه، سيداً رقيقاً مجاملاً، شهماً كريماً في معاملة جميع الناس عدا النساء، فكان لا ينفك يهجوهن هجاء لاذعاً، وبغضب قد يكون متكلفاً، وقلما كان يعنى بالمال، ولهذا فقد عهد إلى أصدقائه أن يعنوا بأملاكه، وكان يقتسم معهم ما تدره عليه من دخل، وكان يقول إن «في وسع الناس أن يفعلوا كل شئ إذا أرادوا» والحق إنا قلما نجد من كبار الفنانين في النهضة الإيطالية من لم يبرعوا في كثير من الفنون. وكان البرتي، كما كان ليوناردو بعد نصف قرن من أيامه، أستاذاً أو في القليل ممارساً ماهراً، في أكثر من عشرة ميادين-في الرياضة والميكانيكا، والعمارة، والتصوير، والموسيقى، والشعر، والتمثيل، والفلسفة، والشرائع المدنية والكنسية. وكان يكتب في هذه الموضوعات كلها تقريباً، وكان مما كتبه رسالة في التصوير تأثر بها بيرو دلا فرانتشسكو، ولعلها أثرت أيضاً في ليوناردو. وأضاف إلى كتاباته حوارين عن النساء وعن فن الحب، ومقالا ذائع الصيت عن «العناية بالأسرة». وكان إذا انتهى من رسم صورة دعا الأطفال وسألهم عما يفهمونه منها، فإذا عجزوا وتحيروا في الإجابة حكم عليها بالإخفاق (٥١). وكان من أوائل المصورين الذين أدركوا الفائدة التي ترجى من آلة التصوير المظلمة الصندوق. وإذا كان الرجل مهندساً معمارياً قبل كل شئ، فقد أخذ يتنقل من مدينة إلى مدينة ليبني واجهات للمباني أو معابد على الطراز الروماني. واشترك وهو في روما في تخطيط المباني التي كان نقولاس الخامس «يقلب بها العاصمة ظهراً لبطن» كما يقول فاساري، وحول في رميني Rimini كنيسة سان فرانتشسكو القديمة إلى معبد لا يكاد يفترق في شئ عن الهياكل الوثنية. وأقام في