للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سحبها شيئاً فشيئاً من الأعمال التجارية واستثمرها في الملاك العقارية بالمدينة، وفي الزراعة الواسعة النطاق، وكان يجد لذة كبرى في الإشراف بنفسه على مزارعه وبساتينه، ولم يكن علمه بالمخصبات يقل عن علمه بالفلسفة. حتى اضحت أرضه القريبة من قصره الريفي في كاريجي Careggi وبجيو أكايانو Poggio a Caiano مضرب المثل في الاقتصاد الزراعي. وانتعشت حياة فلورنس الاقتصادية تحت حكمه (٧)، فنقصت فوائد الديون فيها إلى خمسة في المائة، وسرعان ما ازدهرت المشروعات التجارية التي كانت تجد المال موفوراً، دام هذا الازدهار حتى صارت إنجلترا منافسا لها يخشى بأسه في صادراتها من المنسوجات. وكانت سياسة السلم التي انتهجها في حكمه وسياسة توازن القوى التي استمسك بها في إيطاليا في العشر السنين الثانية من هذا الحكم أقوى أثراً من العوامل السابقة نفسها. ذلك أن فلورنس اشتركت مع غيرها من الدول الإيطالية في طرد الأتراك من إيطاليا، فلما ترك لها ذلك اقنع لورندسو فرنتي ملك نابلي، وجاليتسو اسفوردسا Gaoleazzo Sforza صاحب ميلان أن يعقدا مع فلورنس حالفاً للدفاع المتبادل، ولما أن انضم البابا إنوسنت الثامن إلى هذا الحلف، بادرت الكثير من الدول الصغرى إلى الانضمام أيضاً إليه. وتنحن عنه مدينة البندقية، ولكن خوفها من الحلفاء أرغمها على أن تسلك بإزائه مسلكاً طيباً، ودامت السلم في إيطاليا بفضل هذه الوسيلة حتى توفي لورندسو إذا استثنينا فترات قصيرة قليلة .. وقد بذل في هذه الأثناء كل ما كلن لديه من كياسة وماله من نفوذ لحماية الدول الضعيفة من القوية، ولتسوية المصالح المتضاربة والمنازعات، والتوفيق بينها، والقضاء على كل سبب من أسباب الحرب قبل استفحاله (٨). وبلغت فلورنس في هذه العشر السنين السعيدة (١٤٨٠ - ١٤٩٠) ذروة مجدها في الشئون السياسية والأعمال الفنية والأدبية.