للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إليها، واحدثت فيه أثراً عميقاً. ذلك لأنه كان على الدوام يضم جوانحه على شئ من الجلد والصرامة، وكان قد فقد ما عسى أن يكون قد أخذه من التشكك عن لورندسو، وبلتشي، وبوليتيان في الأعمال الخفية من إيمان شبابه، فلما سمع هذا الخطيب الملتهب حماسة يعظ في كنيسة سان ماركو (القديس مرقس) بعث فيه وفي فلورنس كلها ما ينطوي عليه هذا الإيمان من تبعات رهيبة جسام: فالله قد قبل لنفسه أن يهان، ويجلد، ويصلب لينقذ البشرية من خطيئة آدم وحواء؛ ولا شئ غير حياة الفضيلة والتوبة الصادقة يمكن أن تستدر بعض الرحمة من تلك التضحية التي قدمها الله، وبذلك ينجو المرء من عذاب الجحيم الأبدي. وحوالي هذا الوقت وضح بتيتشيلي بالرسم مناظر المسلاة الإلهية لدانتي، فقد وجه فنه من جديد لخدمة الدين، وأخذ يقص مرة أخرى تلك القصة الرائعة قصة مريم والمسيح، فرسم لكنيسة القديس برنابا مجموعة رائعة تصور العذراء على عرشها ويحف بها عدد من القديسين؛ وهي في هذه المجموعة لا تزال العذراء الرقيقة الجميلة التي صورها في مرسم الراهب لبو. ثم رسم بعد قليل من ذلك الوقت سيدة الرمان The Madonna of the Pomegrante وهي تمثل العذراء يحيط بها الملائكة المنشدون، والمسيح الطفل يمسك بيده الفاكهة التي ترمز بذورها الكثيرة إلى انتشار الدين المسيحي. وأعاد في عام ١٤٩٠ ملحمة أم المسيح في صورتني هما صورتا البشارة والتتويج، ولكنه كان وقتئذ قد عمر طويلا وفقد ما كان لفنه من جدة ووضوح وظرف.

وحدث في عام ١٤٩٨ أن شنق سفنرولا وأحرق، وارتاع بتيتشيلي من هذا الاغتيال الذي لا يماثله اغتيال آخر في عصر النهضة، ولعله قد صور بعد قليل من حدوث تلك المأساة صورته الرمزية المعقدة وهي صورة البهتان Calumny. وتُرى في هذه الصورة خلفية من طريق ذي عقود من الطراز القديم، وبحر بعيد، وثلاث نساء يمثلن الزور، والخداع،