الطلاب. ولما دنيت منيته بعث في طلب قسيس، وأصر وهو في آخر رمق أن يغادر سريره لكي يتلقى القربان المقدس وهو جاث على ركبتيه، وطافت بذاكرته في تلك اللحظة صورة ذلك الواعظ العنيد الذي ندد به ورماه بأنه قضى على الحريةـ، وأفسد الشباب، وتاقت نفسه لأن ينال عفو هذا الرجل قبل أن يموت. ولذلك بعث بصديق يرجو سفنرولا أن يحضر إليه ليستمع إلى اعترافه ويغفر له ذنوبه غفراناً أعظم قدراً مما ناله قبل .. وجاء سفنرولا وعرض عليه الغفران بثلاثة شروط، كما يقول بوليتيان: أن يؤمن لورندسو إيماناً صادقاً برحمة الله، وأن يعد بأن يستقيم في حياته إذا شفي من مرضه، وأن يلقى الموت صابرا. وقبل لورندسو هذه الشروط وغُفِر له، ويقول ج. ف. بيكو (وهو غير بيكو الكاتب الإنساني) أحد الأولين اللذين كتبوا سيرة شفنرولا إن الشرط الثالث كان أن يعد لورندسو «بأن يعيد الحرية إلى فلورنس»؛ وتقول القصة حسب رواية بيكو إن لورندسو لم يرد على هذا الطلب وإن الراهب تركه دون أن يغفر له (٣٤). وتوفي لورندسو في اليوم التاسع من شهر إبريل من عام ١٤٩٢ وهو في سن الثالثة والأربعين.
ولما ترامى نبأ احتضاره إلى فلورنس لم يبق في المدينة كلها تقريباً أحد إلا حزن عليه، وحتى خصوم لورندسو نفسه لم يعرفوا كيف يستطاع حفظ النظام الاجتماعي في فلورنس، أو السلم في إيطاليا، من غير يده الصناع الهادية (٣٥). واعترفت أوربا بمقدرته الفائقة في شئون الحكم، وأدركت ما فيه من خصائص الوقت الذي كان يعيش فيه؛ فقد كان هو «رجل النهضة» في كل شيء سوى كرهه العنف. ولقد استطاع بفطنته في السياسة وهي الفطنة التي كسبها على مهل، وبلاغته في الجدل وهي البلاغة السهلة المقنعة رغم سهولتها، وصلابته وشجاعته في الإقدام والعمل، استطاع بهذه المزايا أن يجعل جميع أهل فلورنس إلا القليلين منهم، ينسون الحرية التي