للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الراهب من نجاح، وأستأذن لورندسو في أن يعرض على رئيس الدير أن يأمر بعودة سفنرولا إلى فلورنس. وعاد سفنرولا فعلا (١٤٨٩)؛ واختير بعد عامين رئيساً لدير سان ماركو؛ ووجد فيه لورندسو عدوا أصرح واقوى من أي عدو آخر اعترض سبيله.

ودهشت فلورنس إذ رأت أن الواعظ الأضخم الذي كان من قبل يبعث البأس بحججه في قلوبهم، قد أخذ الآن يروعهم بالرؤى والخيالات الدينية، ويستحوذ على قلوبهم بالأوصاف الحية التي يصور بها الوثنية، والفساد، والرذائل المتفشية بين جيرانهم، ويسمو بارواحهم إلى مراقي التوبة والأمل، ويبعث في نفوسهم من جديد قوة الإيمان التي كانت تلهمهم وتروعهم في ايام شبابهم:

"يا أيتها النساء يامن تختلن بزينتكن، وشعركن، وأيديكن، أقول لكن جميعاً قبيحات، فهل تردن أن ترين الجمال الحق؟ انظرن إلى الرجل التقي أو المرأة التقية، حيث تسيطر الروح على المائدة؛ انظرن إليه وهو يصلي، وحين يتلألأ عليه شعاع من الجمال الرباني ساعة يختتم صلواته؛ سترين وقتئذ جمال الله يتلألأ في وجهه، فتبصرنه كأنه وجه ملاك" (٥)، وذهل الناس من شجاعته، فقد كان تنديده بالقساوسة والبابوية أشد من تنديده بغير رجال الدين، وكانت قسوته على الأمراء أشد منها على الشعب، وسرى في قلوب الفقراء تيار قوي من التطرف؛ أنظر إلى قوله: لا يوجد في هذه الأيام شيء من نعم الروح القدسي أو هباته لا يستطاع شراؤه أو بيعه، أما الفقراء فقد أبهضت كاهلهم الأعباء الثقال؛ وإذا ما دعوا لأداء مبالغ من المال فوق طاقتهم، صاح الأغنياء في وجوههم قائلين: "أعطونا ما بقي لديكم". ومن الناس من لا يزيد دخلهم على خمسين (فلورينا في العام)، ثم يؤدون ضرائب عن مائة، على حين أن الأغنياء لا يؤدون إلا القليل، لأن الضرائب قد نظمت على هواهم. ألا فلتفكروا