لم يضطرب البابا اسكندر السادس اضطراباً شديداً بسبب ما وجهه سفنرولا من نقد لرجال الدين أو لأخلاق أهل روما. ذلك أنه سمع مثل هذا النقد من قبل؛ فقد ظل مئات من رجال الكنيسة قروناً طوالا يشكون من أن القساوسة يحيون حياة تنافي الفضيلة، ومن أن البابوات يحبون المال والسلطان حباً لا يليق بخلفاء المسيح (١٨). وكان البابا اسكندر سهلاً رضي الطباع، لا يسوئه النقد الهين ما دام يحس بأنه آمن في الكرسي الرسولي. أما الذي كان يسوئه من سفنرولا فهو آراء هذا الراهب السياسية؛ ولسنا نعني بهذه الآراء السياسية ما في الدستور الجديد من نزعة شبه ديمقراطية. كذلك لم يكن البابا يهتم خاصاً بالميديتشيين، ولعله كان يؤثر أن تقوم في فلرونس جمهورية ضعيفة عن أن تقوم فيها حكومة مستبدة قوية. كذلك كان يخشى أن يغزو الفرنسيون البلاد مرة أخرى؛ فقد اشترك من قبل في تكوين عصبة من الدول الإيطالية تعمل على طرد شارل الثامن من إيطاليا، وتحبط أي هجوم ثان يقوم به الفرنسيون؛ ولم يكن يطيق استمساك فلورنس بتحالفها مع فرنسا، ويرى أن سفنرولا هو القوة الخفية التي توجه سياسة المدينة هذه الوجهة، ويرتاب في أنه يراسل في السر الحكومة الفرنسية. وقد كتب سفنرولا في واقع الأمر ثلاث رسائل يؤيد فيها ما اقترحه الكردنال جوليانو دلا روفيري Guiliano della Rovere من أن يعقد الملك مجلساً عاماً من رجال الدين والحكم يصلح الكنيسة، ويخلع الإسكندر لأنه «كافر وزنديق»(١٩). وحرض الكردنال أسكانيو اسفوردسا Ascanio Sforza ممثل ميلان في البلاط البابوي، البابا على أن