وكانت عظته الأولى في ذلك العام إيذاناً ببدء النزاع مع البابا، وكان هذا النزاع حادثاً عظيم الخطر في تاريخ فلورنس؛ وتاق نصف المدينة المهتاجة إلى سماعه، ولم تتسع الكتدرائية على رحبها لكل من أرادوا الدخول، وإن كانوا قد ازدحموا في داخلها حتى لم يستطع أحد منهم حراكا. وأحاطت بالرئيس جماعة من اصدقائه المسلحين حتى اوصلته إلى الكنيسة. وبدأ عظته بأن شرح سبب انقطاعه الطويل عن المنبر، وأكد ولاءه التام لتعاليم الكنيسة، لكنه أتبع ذلك بتحدي البابا تحدياً جريئاً فقال:
إن الرئيس لا يستطيع أن يصدر إليّ أمراً أياً كان يتعارض مع القواعد التي تسير عليها طائفتي، ولا يستطيع البابا أن يصدر أمراً ما يتعارض مع مقتضيات البر أو أوامر الإنجيل؛ ولست أعتقد أن البابا سيحرص يوماً ما على أن يفعل هذا؛ فإن فعل فسأقول له:«إنك الآن لست براع، ولست أنت كنيسة روما، إنك مخطئ» … وإذا تبين بوضوح أن أوامر الرؤساء تتعارض مع أوامر الله، وبخاصة إذا تعارضت مع قواعد البر والخير، فما من أحد من الناس في هذه الحال ملزم بإطاعتها … وإذا ما تبينت بوضوح أن رحيلي عن مدينة ما سيؤدي إلى هلاك أهلها الروحي والزمني، فإني لن أطيع إنساناً على ظهر الأرض يأمرني بالرحيل عنها … لأني إن اطعته عصيت أوامر الله (٢٤).
وندد في عظته التي ألقاها في يوم الأحد الثاني من آحاد الصوم الكبير بأخلاق عاصمة العالم المسيحية بأقسى الألفاظ فقال:«إن ألف عاهر، وعشرة آلاف عاهر، وأربعة عشر ألف عاهر عدد قليل لا يكفي روما لأن جميع من فيها من رجال ونساء في العهر سواء»(٢٥). وانتشرت هذه العظات في طول أوربا وعرضها عن طريق الاختراع الجديد العجيب ونعني به المطبعة، وكان الناس يقرئونها في كل مكان حتى سلطان تركيا نفسه، وأثارت عاصفة من المنشورات والكتيبات في داخل فلورنس وخارجها،