"سيخونني واحد منكم". وكان أندريا أكثر جرأة من ليوناردو، إذا أكمل في صورته وجه المسيح؛ ولكنه هو أيضاً قصر عن بلوغ العمق الروحي، والرقة الفطنة التي نعهدها في عيسى، غير أن صور الرسل واضحة تتميز كل منها عن الأخرى تمييزاً يثير الدهشة، والمعاني التي تبرزها واضحة، والتلوين غزير، هادئ، كامل، والصورة حين ينظر إليها الإنسان من مدخل قاعة الطعام تخدعه فلا يستطيع أن يحاجز نفسه عن الظن بأنها تمثل منظراً من الأحياء.
وقد بقي موضوع الأم العذراء الموضوع المحبب لأندريا، كما بقي الموضوع المحبب للكثرة الغالبة من فناني عصر النهضة في إيطاليا؛ فأخذ يصورها المرة بعد المرة في دراساته للأسرة المقدسة، كما نشهد ذلك في معرض آل بورجيا في روما، أو في متحف نيويورك، وقد صورها في إحدى الكنوز المحفوظة في معرض أفيزي في صورة عذراء المنتقمات (١) Madonna del Arpie وتعد هذه الصورة أجمل صورة لعذارى لكريدسيا، وصورة الطفل هي أجمل ما أخرجه الفن الإيطالي. وتوجد في معرض بتي Pitti على الضفة الأخرى لنهر الآرنو صورة صعود العذراء يظهر فيها الرسل ورجال الدين ينظرون في ذهول وخشوع إلى الملائكة الصغار وهم يرفعون العذراء-وهي هنا أيضاً لكريدسيا-إلى السماء؛ وهكذا تتم ملحمة العذراء بهذه الصورة المتلألئة التي رسمها أندريا.
وقلما نجد شيئاً من السمو في صور أندريا دل سارتو، كما لا نجد فيها جلال ميكل أنجيلو، أو التدرج غير المحس الذي لا يسبر عمقه والذي نجده في ليوناردو، أو كمال الصقل الذي نراه في رفائيل، أو مدى القوة التي نشهدها في الفنانين البنادقة العظام. غير أنه هو وحده الذي يضارع أولئك البنادقة في جمال اللون ويضارع كريجيو Correggio في الرشاقة، وإن
(١) سميت كذلك لوجود صورة المنتقمات ممثلة على قاعدتها.