براعته في التلوين- في عمقه، وتدرجه، وشفيفه- لترفع صوره فوق صور تيشيان Titian، وتنتوريتو Tintoretto وفيرونيري Veronese لما في هذه من إسراف كثير في التلوين. نعم إن صور أندريا ينقصها التنوع، فهي تتحرك داخل دائرة من الموضوعات والاحساسات شديدة الضيق، فصور العذراء التي تبلغ المائة عدا كلها صورة من الأم الشابة الإيطالية، المتواضعة، المحببة، المكتظة بالحلاوة؛ ولكن ما من أحد قد فاقه في براعة التكوين، وقلما بزه أحد في التشريح، وعمل النماذج، والتصميم. ويقول ميكل أنجيلو فيه:«إن في فلورنس إنساناً صغيراً إذا اشتغل بأعمال عظام جعل العرق يتصبب من جبينك»(٣٧).
ولم تطل حياة أندريا نفسه حتى يصل إلى درجة النضج الكامل، ذلك أن الألمان الظافرين استولوا على فلورنس في عام ١٥٣٠، ثم نشروا فيها عدوى الطاعون، وكان أندريا من أوائل ضحاياه؛ وتجنبت زوجته حجرته في تلك الأيام الأخيرة المضطربة، وكانت هي التي اثارت فيه آلام الغيرة التي تصحب الزواج بالحسان من النساء؛ وقضى الفنان الذي حباها حياة تكاد تعز على الموت، وليس إلى جانبه أحد، وهو في الرابعة والأربعين من عمره.
وبعد فإن من واجبنا أن ننظر إلى الفنانين القلائل الذين ورد ذكرهم في هذا الباب، لا على انهم وحدهم الجديرون بأن تسجل أسماؤهم فيه، بل على أنهم ممثلون لا أكثر لما كان في هذا العصر من عبقرية مرنة نيرة. فقد وجد في هذا العصر مثالون ومصورون وغيرهم، ولا يزال لهم في المتحف وجود كوجود الأشباح-نذكر منهم بينيديتو دا روفيتسانو Bendetto da Rovezzano، وفرانشيابجيو Franciabigio، وريدلفو جرلندايو Ridolfo Ghirlandaio ومئات آخرين غيرهم. وعاش في ذلك العصر فنانون في شبه عزلة، منهم سكان الأديرة ومنهم غير رجال الدين، كانوا لا يزالون