يمارسون الفن ذا الصلة القوية بهم فن تزيين المخطوطات، نذكر منهم الراهب يوستاتشيو Eustachio، وأنطونيو دي جيرولامو؛ وعاش فيه خطاطون بلغ حظهم من الجمال درجة لا يسع الإنسان معها إلا أن يعذر فيدريجو الأربنودي Federigo of Urbino حين يتحسر لاختراع الطباعة؛ وكان هناك فنانون يتقنون أعمال الفسيفساء، ويحتقرون التصوير لأنه في رأيهم زهو زائل لا يدوم أكثر من يوم، وكان هناك حفارون في الخشب أمثال بتشيودانيو لو Baccio d'Agnolo ازدانت بيوت فلورنس بكراسيهم، ونضدهم، وصناديقهم، ذات النقوش المحفورة؛ وكان هناك من لم يحفظ التاريخ أسماءهم من العاملين في الفنون الصغرى. ذلك أن فلورنس قد احتوت ثروة ضخمة من الفنون استطاعت بها أن تتحمل معها انتهاب الغزاة، ورجال الدين، وأصحاب الملايين، من عهد شارل الثامن إلى هذه الأيام، ولا تزال تحتفظ بقدر رائع من روائع الصناعة الدقيقة يبلغ من الكثرة حداً لم يستطع معه إنسان فرد أن يحصي جميع الكنوز التي ادخرت في تلك المدينة وحدها خلال قرني النهضة، أستغفر الله بل خلال قرن واحد منهما؛ لأن عصر فلورنس العظيم في الفن بدأ حين عاد كوزيمو من منفاه سنة ١٤٣٤، واختتم بوفاة أندريا دل سارتو سنة ١٥٣٠. ذلك أن الشقاق الداخلي، وعهد سفنرولا المتزمت، وما عانته المدينة من حصار، وهزيمة، ووباء قد أخمدت كلها روح أيام لورندسو المرحة، وحطمت قيثارة الفن الهشة.
غير أن الأوتار العظيمة كانت قد ضربت، وتردد صدى موسيقاها في طول شبه الجزيرة وعرضها. فكانت الطلبات تنهال على فناني فلورنس من سائر المدن الإيطالية، بل جاءتها أيضاً من أسبانيا، وفرنسا، وبلاد المجر، وألمانيا، وتركيا. وهرع إلى فلورنس ألف فنان ليغترفوا من بحر فنها العباب، ويكون كل واحد منهم طرازه-بيرو دلا فرانتشسكا