للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تبرهن على أي شئ، ولذلك أطلق عليهم بحق اسم "من يشققون الشعرة" أو "من يتلون تلوي ثعابين الماء"؛ وآخرون طفقوا يبرهنون على عدم وجود الله وعدم ضرورة اصطناع الفضيلة؛ وكانت جموع كبيرة من الناس تحتشد لتسمع أمثال هذه المحاضرات والمناقشات، وبنيت قاعات لهم خاصة، وكان الأمراء أحيانا يكافئون الظافرين في أمثال هذه الحلبات الفكرية (٧)؛ حقاً لقد كان عصراً يدهشك بحرية فكره، وبألوان التجارب التي أجراها أهله في عالم الفلسفة.

ولم يبق لنا كثير مما قاله هؤلاء المتشككة، والفضل في خلود ذكراهم يرجع كله تقريباً إلى ما هاجمهم به أعداؤهم (٨)، وأقدم اسم بين تلك الطائفة هو "بريهاسباتي"، لكن أقواله الهدامة قد فنيت كلها، بحيث لم يبق لنا منها إلا قصيدة واحدة تحط من شأن الكهنة في لغة لا يشوبها غموض الميتافيزيقا:

ليس للجنة وجود، وليس هناك خلاص أخير؛

فلا روح، ولا آخرة، ولا طقوس للطبقات …

إن فيدا ذات الوجوه الثلاثة، وأمر الإنسان لنفسه بلغات ثلاث؛

وهذه التوبة بكل ما فيها من تراب ورماد.

كل هذه وسائل عيش لقوم

خلوا من الذكاء والرجولة …

كيف يمكن لهذا الجسد إذا ما أصبح تراباً

أن يعود إلى الظهور على الأرض؟ وإذا كان في وسع الشبح أن يمضي

إلى عوالم أخرى، فلماذا لا يجذبه الحب الشديد

لمن يخلفهم وراءه، فيرجعه إليهم؟

إن هذه الطقوس الغالية التي تقام لمن يموتون

ليست إلا وسائل عيش دبّرها