نترك للعلماء ممن يتسع وقتهم للنقاش والجدل أن يتناقشوا في حقيقة أشخاصهم، وكل ما نقوله هنا أن مجتمعاً من الحكماء مثل هذا المجتمع لم تضمه من قبل صورة من الصورة، بل لعل أحداً لم يفكر قط في أن تضعه. وأكثر من هذا أن هذه الصورة ليس فيها كلمة واحدة عن الإلحاد، ولا فيلسوف واحد ممن حرق بسبب آرائه؛ بل إن هذا المسيحي الشاب الذي كان يتمتع بحماية بابا أكبر من أن يشغل نفسه بالفروق بين خطأ وآخر، قد جمع فجاءة بين كل أولئك الوثنيين، وصورهم بأخلاقهم وبإدراك عجيب وعطف كبير، ووضعهم حيث يستطيع علماء الدين أن يروهم ويتبادلوا الأخطاء معهم، وحيث يستطيع البابا، خلال الفترات التي بين كل وثيقة وأخرى أن يتدبر سير التعاون بين أفكار البشر ونشأتها. وتمثل هذه الصورة عي وصورة الجدل المثل الأعلى لتفكير النهضة - تمثل عهد الوثنية القديم والدين المسيحي يعيشان معاً مؤتلفين منسجمين في حجرة واحدة. وإذا نظر الإنسان إلى هذه اللوحات المتنافسة في تفكيرها وتأليفها، وفنها رأى فيها ذروة من فن التصوير الأوربي التي لم يرق إليها أحد حتى يومنا هذا.
بقيت بعد ذلك حجرة ثالثة، أصغر من الحجرتين السابقتين تتخللها نافذة يبدو معها أن وحدة الموضوع في الصورة التي ترسم عليها مستحيلة. ولهذا كان من الاختيار الرائع الموفق أن يمثل على سطح هذا الجدار الشعر والموسيقى. وهكذا خفف من ثقل الحجرة المثقلة باللاهوت والفلسفة وأضفى عليها كثيراً من البهجة والآلاء المستمد من عالم الخيال المطرب المنسق، بحيث تستطيع الألحان اللطيفة أن ترسل نغماتها الصامتة خلال القرون في أرجاء تلك الحجرة التي تصدر منها أحكام بالحياة أو الموت لا تقبل نقضاً. وفي مظلم فرناسوس Parnassus هذا نرى أبلو جالساً تحت أشجار الغار على قمة الجبل المقدس يستمد من كمانه الكبير "ترانيم خالية من النغم"؛ وإلى جانبه إحدى ربات الشعر متكئة في رشاقة وراحة،