علينا، في شخصك أنت، أعظم ما استمتعنا به حتى الآن من عز وكرامة، وهذه النعمة التي أنعمها علينا، والتي هي في حد ذاتها من أجل النعم، ليزيد من قدرها ما يصاحبها من الظروف، وخاصة ما كان منها متصلاً بشبابك وبمكانتنا نحن في العالم. ولهذا فإن أول ما أعرضه عليك، هو أنه ينبغي لك أن تسبح بحمد الله، وأن تذكر على الدوام أن كل ما نالك من خير ليس مرده ما تتصف به من فضائل، أو فطنة، أو حسن تدبير، بل إن مرده هو فضل الله عليك، وهو دين لا تستطيع أن توفيه إلاّ بالتقوى؛ والعفة، وأن تجعل حياتك مثلاً يحتذى. وإن ما يفرضه عليك أداء هذا كله من واجبات ليزداد ويعظم لأنك قد بانت عليك في سنيك المبكرة مخايل تدل على أن العالم سيجني منك هذه الثمار الطيبة متى نضج عقلك وجسمك … فاعمل إذن على أن تخفف العبء الملقى على كرامتك المبكرة، بالتزام النظام في حياتك، وبمثابرتك على دراسة العلوم التي تؤهلك لمنصبك. ولشد ما سرّني إذ علمت أنك في خلال العام المنصرم، قد أكثرت من تناول العشاء الرباني ومن الاعتراف، وأنك فعلت هذا من تلقاء نفسك. ولست أعتقد أن ثمة طريقة ينال بها رضاء الله خيراً من أن تعتاد أداء هذه الواجبات وأمثالها …
وإني لأعلم حق العلم أنك، وأنت تقيم الآن في روما بؤرة المظالم والشرور جميعها، ستزداد في وجهك الصعاب حين تحاول أن تأخذ نفسك بالتزام هذه النصائح. نعم إن تأثير القدوة الطيبة لا يزال منتشراً قائماً لم تدرس معالمه، ولكنك ستلتقي في أكبر الظن، بأقوام يحاولون جهدهم إفساد خلقك وإغراءك بارتكاب الإثم؛ ذلك أنه ليس بخاف عليك أن ما بلغته من مكانة سامية في هذه السن المبكرة قد جر عليك حسد الحاسدين؛ وأن الذين عجزوا عن أن يحولوا بينك وبين هذه المكانة السامية لن يدخروا وسعاً في الحط منها وذلك بإغرائك على أن تأتي من الأعمال ما تفقد به تقدير