تدعى De intllectu et daemonibus، (١٤٩٢) . وكان المتشككة يسعون في العادة إلى تهدئة ثائرة محكمة التفتيش بأن يفرقوا (كما كان ابن رشد يفرق) بين نوعين من الحقيقة- الدينية والفلسفية: فيقولون إن قضية من القضايا يمكن رفضها في الفلسفة إذا نظر إليها من ناحية العقل، ولكنها مع ذلك يمكن قبولها على أساس الإيمان إذا أخذنا بقول الكتاب المقدس أو الكنيسة. وعبر نيفو عن هذا المبدأ ببساطة كان فيها جريئا متهورا فقال: "يجب أن نتحدث كما يتحدث الكثيرون، ويجب أن نفكر كما يفكر القليلون (٤٢). وبدل نيفو رأيه أو بدل أقواله لما تبدل لون شعره وتصالح مع مبادئ الدين القويم، وكان وهو أستاذ الفلسفة في بولونيا يجتذب الأعيان، وكرائم السيدات، وجماهير لا تحصى، محاضراته المصحوبة بالتهجم والسخرية، والمحلاة بالقصص والفكاهة. وأصبح من الناحية الاجتماعية أكثر معارضي بمبونتسى نجاحاً.
وكان بيترو بمبوتتسي، القنبلة المجهرية لفلسفة النهضة، ضئيل الجسم إلى حد جعل أصفياءه يسمونه بريتو Peretto - أي "بطرس الصغير". ولكنه كان كبير الرأس، عريض الجبهة، أقنى الأنف، صغير العينين، نفاذهما أسودهما، وكان رجلا يأخذ الحياة والفكر مأخذاً جدياً أليما. وقد ولد في مانتو (١٤٦٢) ودرس الفلسفة والطب في بدوا، ونال الدرجتين فيهما وهو في سن الخامسة والعشرين، ولم يلبث أن أصبح أستاذاً في جامعة تلك المدينة نفسها وغمرته جميع تقاليد فلسفة بدوا المتشككة، وبلغت فيه غايتها، حتى قال في فانيني Vanini المعجب به: "لقد كان يحق إلى فيتاغورس أن يحكم بأن روح ابن رشد قد تقمصت جسم بمبونتسي (٤٣). ويلوح أن الحكمة تكون على الدوام تجسيداً لحكيم قديم أو صدى لأقواله لأنها تبقى على الدوام دون أن يطرأ عليها تغيير بعد أن تمر بآلاف الأنواع المختلفة المتتابعة من الأغلاط.