دلائل على أن المسيحية آخذة في الزوال (٥٠)؛ ثم يقول بعدئذ إنه بوصفه مسيحيا يرفض هذا كله ويراه سخفاً وهراء.
أما كتابه الأخير De Fato فيبدو أنه أكثر اتفاقا مع الحقائق العلمية لأنه دفاع عن حرية الإرادة؛ وهو يعترف بأنه هذه الحرية لا تتفق مع علم الله بكل شيء ومعرفته بكل شيء قبل وقوعه، ولكنه يصر على اعتقاده بحرية الإنسان في نشاطه وعلى أنه لابد له أن يفترض في الإنسان قسطا من حرية الاختيار إذا كان للإنسان شيء من التبعة الأخلاقية. وكان في رسالته عن الخلود قد عالج إمكان نجاح أي قانون أخلاّ إذا لم يستند إلى العقاب والثواب تفرضهما قوة غير بشرية. وآمن بفخر شبيه بافتخار الرواقيين أن الفضيلة نفسها جزاء كاف للفضيلة، وليس ذلك الجزاء جنة بعد الموت (٥١)، ولكنه يقر بأنه لا يمكن حمل معظم الناس على مراعاة السلوك الحسن إلا بالاعتماد على الآمال والمخاوف يتلقونها من قوة غير بشرية. وهذا فيما يقول، هو الذي دعا كبار المشرعين إلى أن يغرسوّا في نفوس الناس الإيمان بوجود حالة في المستقبل تحل محل الشرطة التي لا يخلو منها مكان، وأكثر منها اقتصادا، ويبرر، كما يبرر أفلاطون تلقين الناس الخرافات والأساطير إذا كان في مقدورها أن تساعد على كبح جماح ما فطر عليه الآدميون من خبث (٥٢).
"ولهذا وعدوا الصالحين بالنعيم السرمدي في الدار الآخرة، وأنذروا الصالحين بالعقاب الأبدي الذي يرعبهم أشد الرعب. والكثرة الغالبة من الناس، إذا فعلوا الخير، إنما يفعلونه خوفاً من العقاب الأبدي لا أملا في النعيم السرمدي، لأنا أكثر علما بالعقاب من تلك النعم السرمدية. وإذ كان في وسع الناس جميعاً أياً كانت طبقتهم أن يفيدوا من هذه الطريقة الأخيرة، فإن المشرع، وهو يرى ميل الناس إلى الشر وينزع هو إلى الخير العام، قد نادى بأن النفس الخالدة، غير مبال في ندائه هذا بالحقيقة، وإنما يعنى