للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بالخير والصلاح، كي يستطيع بذلك أن يهدي الناس إلى الفضيلة (٥٢أ).

وهو يرى أن الكثيرين من الناس يبلغون من السذاجة في العقل، والوحشية في الأخلاق درجة لابد معها من معاملتهم كما يعامل الأطفال أو المرضى، وليس من الحكمة أن يعلم هؤلاء العقائد الفلسفية. ويقول عن آرائه هو: " يجب ألا تنقل هذه الأشياء لعامة الناس لأنهم يعجزون عن تلقي هذه الأسرار، بل إن من واجبنا أن نحذر من التحدث عنها إلى رجال الدين الجهلاء" (٥٣) وهو يقسم بني الإنسان إلى فلاسفة ورجال دين، ويعتقد اعتقاداً لا يصح لنا أن نلومه عليه وهو أن "الفلاسفة وحدهم هم آلهة الأرض، وأنهم يختلفون عن سائر الناس أيا كانت مراتبهم وأحوالهم، يقدر ما يختلف الناس الأحياء عن تلك الصور المرسومة على القماش" (٥٤).

وكان في اللحظات التي هو فيها أكثر تواضعاً منه في غيرها يدرك ضيق مجال العقل البشري وما في الميتافيزيقيا من عبث شريف. وقد صور نفسه في سنيه الأخيرة رجلا منهوكاً هزيلا، حائرا، وشبه الفيلسوف بيروميثيوس الذي حكم عليه بأن يشد إلى صخرة وأن ينقر قلبه صقر لا ينقطع عن ذلك أبداً (٥٥) لأنه أراد أن يسرق النار من السماء- أي أن يختطف المعرفة الإلهية. ويقول في هذا: "إن المفكر الذي ينقب عن الأسرار الإلهية الخفية ليشبه بروتيوس Proteus … فمحكمة التفتيش تحاكمه بتهمة الإلحاد، والجماهير تسخر منه لأنه أبله" (٥٦).

وأنهك الجدل الذي شغل كثيراً من وقته قواه وأضعف صحته، فكان ينتابه الداء في أثر الداء حتى اعتزم أخيراً أن يموت، فأختار إلى الانتحار أشق صورة من صوره: إذا آثر أن يموت جوعاً، فقاوم كل حجة يراد بها حمله على العدول عن قراره وكل تهديد وجه إليه، وتغلب على القوة نفسها وأبى أن يتناول شيئاً من الطعام أو الشراب، فلما مضت على هذا النظام الصارم سبعة أيام شعر بأنه كسب المعركة التي تقرر حقه في أن يموت،